يعتبر الإسلام أحد أعظم الموجات الحضارية التي خاضتها الإنسانية عبر تاريخها الطويل، حينما يقارن مع الحضارات السابقة مثل الصينية والهندية واليونانية والرومانية. بينما استغرقت تلك الحضارات قرونًا طويلة لتصل إلى قمة نضوجها، إلا أنها سرعان ما تلاشت، لتصبح حضارات بائدة ومدنيات مندثرة.
على الرغم من أن الحضارة الإسلامية قد شهدت مراحل من الضعف والانحدار، إلا أنها لا تزال حضارة حية. والدليل على ذلك هو أنها تُعد اليوم مصدر إشعاع فكري وروحي وحضاري ملحوظ في عالمنا المعاصر.
واحدة من القضايا المتجددة في الفلسفة الإسلامية التي تضيف إليها قيمة وأهمية إنسانية هي دعوة الحوار بين الأديان، وهو موضوع محوري يستند إلى رؤية قرآنية محترمة.
ما يميز الفلسفة الإسلامية هو أنها نشأت من فطرة سليمة وخاطبت عقلًا ناضجًا قادرًا على استيعاب الخطاب الإلهي. وقد تطرقت إلى قضاياها بعيدًا عن الجدل والجدال، مما ساهم في بناء استقلاليتها الفكرية بعيدًا عن الفلسفات الأخرى، وهذا ميزة تجعلها لا تدعي بأنها نتيجة تعليم بشري.
تتوجه الفلسفة الإسلامية إلى العقل الإنساني بشكل شامل، ولا تتطلب منه سوى القلوب المفتوحة الراغبة في تلقي الحقيقة والتمتع بها، بعيدا عن الأهواء أو التقليد الأعمى أو محاكاة السابقين أو اتباع الظنون والأوهام الكاذبة. كما أنها دعوة واضحة لتحرير العقل من الخرافات والسحر والشعوذة وادعاء معرفة الغيب.
تكمن الفروق بين الفلسفة والفلسفة الإسلامية في أن مصادر المعرفة في الأخيرة تتضمن العقل والنقل معًا، وليس العقل فقط. فعندما نتحدث عن أن مصادر الفلسفة الإسلامية هي الوحي والعقل، فإن هذا الفهم يؤدي إلى العلوم النقلية وكيفية التعامل مع النصوص، سواء من حيث التثبت (علم الحديث) أو من حيث فهم النصوص (أصول الفقه ومقاصد الشريعة).
تعتبر هذه العلوم الإسلامية معنية بمعالجة النصوص وفهمها بهدف تحقيق الغاية الكلية من وجود الإنسان كفرد وجماعة وأمة وحضارة، بينما ترتكز الفلسفة الأخرى على العقل والحس.
تتجلى قيمة الفلسفة الإسلامية في تماسكها وعمقها المنطقي، فضلاً عن قدرتها على استيعاب الفكر الفلسفي الإنساني والمشاركة في نقاشات وجدليات منطقية عُرفت باسم الكلام. كما تجسد تمثل القيم الفلسفية من قبل عدد من العلماء المسلمين وتأثرهم بها، وخاصة تلك المرتبطة بالفلسفة اليونانية، أو انقسموا إلى محاور جدلية في آراءهم وأطروحاتهم الفلسفية.
سواء كان ذلك في ناحية الغيب أو الشهادة، فإنها تتبع منطقًا دعويًا يستند إلى الحجج المنطقية السليمة، وبما يتنوع في مجالاته. إذ تبحث الفلسفة الإسلامية في مسائل الوجود الكلية ولها منحى مزدوج: المنحى الأول هو علم الكلام (أصول الدين).
أما المنحى الثاني فيشمل فلسفة العلوم والمناهج والمنطق، كما أنها تستكشف فلسفة القانون في الإسلام المعروفة بـ (أصول الفقه). كما لا يُغفل تناولها لقضايا السلوك الإنساني على المستويين الأخلاقي والقيمي، بالإضافة إلى مناقشات التصوف.
قدمت الفلسفة الإسلامية نضجًا معرفيًا في علم فقه اللغة، ومساهمات متقدمة في فقه السيرة النبوية كنموذج إسلامي لهندسة المجتمع وبنائه على الفضيلة. علاوة على ذلك، يعتبر علم الاجتماع وما اعتمد عليه في علم السلوك الإنساني الذي قدمه ابن خلدون من الإضافات النوعية في السياق الحضاري. ومن خلال هذا التنوع، يُدرك الإنسان أهمية الفلسفة الإسلامية وإسهاماتها القيمة في الإنسانية.
أحدث التعليقات