خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ومنحه مكانة رفيعة بين جميع المخلوقات، كما ورد في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). ومن أبرز مظاهر هذه الكرامة منح العقل للإنسان، وهو الأداة التي تمكنه من التفكير والتحليل ويجعله متفوقًا على سائر المخلوقات. الهدف من خلقه هو إعمار الأرض وفق ما يرضي الله تعالى. لكن لتحقيق هذا الهدف، يحتاج الإنسان إلى التعاون مع الآخرين، لذا جعل الله المجتمع الإنساني متكاملاً حيث يتمتع كل فرد بجملة من الحقوق الحيوية، وأبرزها الحق في الحريّة.
الحريّة في اللغة العربية مصدرها “حُر”، وهو من يبتعد عن الأمور السطحية ويعتمد على الأمور الرفيعة. تعبر الحريّة عن الحالة التي يكون فيها الكائن الحي غير خاضع لأي قهر أو قيود، ويتصرف وفق إرادته وطبيعته. كما تُعرَف الحريّة بأنها القدرة على اتخاذ القرارات دون وجود قوة أو جهة تعيق ذلك، بهدف التحرر من القيود المادية والمعنوية.
الحريّة يمكن أن تُقسم إلى نوعين: حريّة سالبة وحريّة موجبة؛ حيث تشير الحرية السالبة إلى القدرة على اتخاذ القرارات دون وجود عوائق، بينما الحريّة الموجبة تتعلق بتوظيف الإمكانيات المتاحة في سبيل استخدام الحريّة السالبة. على سبيل المثال، حريّة التعبير تُعد حرية سالبة، بينما استخدام وسائل الإعلام للتعبير عن الرأي يُعتبر حرية موجبة.
توجد أيضًا حريّة فردية وحريّة جماعية؛ فالحريّة الفردية تتعلق باتخاذ القرارات المرتبطة بالمسائل الشخصية مثل المعيشة، والملبس، والعمل، بينما الحريّة الجماعية تتعلق بحركة الأفراد في مسائل تتناول مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية والدينية.
يسعى الإنسان جاهدًا لتحقيق حريّته في جميع جوانب الحياة، سواء كان ذلك نفسيًا من خلال مواجهة التحديات والهموم، أو دينيًا لتحقيق براءة الذمّة، أو اجتماعيًا بإزالة القيود الاجتماعية، أو فلسفيًا بالتخلص من كل ما يمنعه من اتخاذ القرارات، أو حقوقيًا برفض أي شكل من أشكال الاستبداد.
تتجلى أهميّة الحريّة من خلال النقاط التالية:
جاء الإسلام بتوحيد الله، والذي يُعتبر أساس الحريّة والتحرّر من العبودية. أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأطلق سراحهم من التقاليد والأفكار الجاهلية. وقد عدّ الإسلام الاستعباد بمثابة الموت، في حين أن تحرير الرقاب يعدّ بمثابة إحياء. كما أن كفارة القتل الخطأ هي تحرير رقبة، مما يعني إدخال الحياة الجديدة إلى نفس فقدت عافيتها، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).
ومع نزول الوحي، أصبح العتق وسيلة للتكفير عن الذنوب والخطايا، مما ساهم في الحد من ظاهرة الرق وتعزيز العدالة. ومن خلال تطبيق مبدأ الشورى، شارك الأفراد في رسم معالم الدولة الإسلامية وتقرير سياستها، مما رسا أساس حرية التعبير عن الرأي.
يمكن تطبيق الحريّة من خلال الخطوات التالية:
عندما تزداد القيود المفروضة على الأفراد، تبقى المجتمعات مستقلة، وكلما عُززت الحريّة، انطلق العقل ليفكر ويبتكر ويخترع، مما يساعد الإنسانية في مواجهة التحديات، ويؤدي في النهاية إلى تقوية المجتمعات وازدهارها وتقدمها.
للمزيد من المعلومات، يرجى متابعة الفيديو.
أحدث التعليقات