يتناول أهل النار غذاءً لا يشبع جوعهم ولا يعزز أجسادهم، بل إن طعامهم يتسم بأقصى درجات البشاعة، والقبح، والمرارة. قال الله تعالى: “لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ”.
فلا طعام لهم سوى غساق، وهو عبارة عن طعام يُستخرج من صديدهم ودمائهم، وقد بلغ هذا الطعام درجة الغليان، ورائحته كريهة، وطعمه أشد قبحاً ومرارة، كما ورد في قوله تعالى: “فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ”.
وأيضًا من طعامهم شجرة الزقوم التي تنبت في جهنم، وتروى من صديد أهلها، ويتشابه نباتها مع رؤوس الشياطين، ويعاني أهل النار عند تناولهم منها، حيث تلتصق في حلوقهم نظراً لمرارتها وكراهيتها.
يستمتع أهل النار بأربعة أنواع من المشروبات، وهي كما يلي:
هذا هو الماء شديد الحرارة، وقد ذُكر في قول الله تعالى: “يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ”، وكذلك قال تعالى: “تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ”.
وهو ما يسيل من دماء وأجساد أهل النار، وثمرة آلامهم.
وهو السائل الذي يخرج من جلود الكافرين، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ علَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ”، فسأله الناس عن ما هي طينة الخبال، فقال: “عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ”.
تشبه هذه الشراب عكر الزيت، وعندما يقترب منه أهل النار، تسقط أشكالهم في داخله.
أُعدَّت لأهل النار ثيابٌ مصنوعة من النار، وُصِفت سرابيلهم بأنها مصنوعة من القطران الذي يعد نحاساً مُذاباً ذا حرارة مرتفعة. قال تعالى: “هَـذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ”، كما قال تعالى: “وَتَرَى المُجرِمينَ يَومَئِذٍ مُقَرَّنينَ فِي الأَصفادِ سَرابيلُهُم مِن قَطِرانٍ وَتَغشى وُجوهَهُمُ النّارُ”.
قال تعالى: “وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ”، فلا ماء، ولا هواء، ولا ظل يخفف عن أهل النار، بل عندهم عذاب يتضاعف. فالرياح في جهنم تتسم بشدة الحرارة، وقد تحول الماء إلى حميم من شدة حرارته، بينما ظل النار هو اليحموم.
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم درجة نار جهنم فقال: “نارُكُمْ هذِه الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا، مِن حَرِّ جَهَنَّمَ”، فقالوا: “واللَّهِ إنْ كانت لكافيةً، يا رَسولَ اللهِ”، فقال: “فإنَّها فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّها مِثْلُ حَرِّها”.
يشهد الكفار في يوم القيامة ما كانوا ينكرونه بأعينهم، فيشعرون بالندم على أفعالهم. وعند إلقائهم في نار جهنم، يدعون على أنفسهم بالهلاك، كما قال تعالى: “وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا”، لكن تُرفض استغاثاتهم بالمزيد من العذاب.
أعد الله تعالى في جهنم سلاسل لتقيد كل كافر، وأغلال تُربط بها أيديه وأعناقهم. قال الله تعالى: “الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ”.
امتنع الكفار عن رؤية آيات الله واستحقاقاتها، فكان جزاءهم أن حرموا من رؤية الله. قال الله تعالى: “كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ”، إذ إن رؤية وجه الله تنعكس نعمة، وحرمان الكفار من ذلك لهم يُعَد من أشد أنواع العذاب.
أحدث التعليقات