يعُدّ الإعجاز البلاغي أحد أبرز أشكال الإعجاز القرآني، فهو من أوائل الأنواع التي ظهرت في الكتاب الكريم. تكمن أهميته في كونه مرتبطًا ببنية الأفعال، والتي تُعتبر أساسه. وقد ناقش هذا الموضوع بالتفصيل أبو بكر الباقلاني في كتابه “إعجاز القرآن”، وكذلك الجرجاني في مؤلفه “دلائل الإعجاز”.
ويعبر هذا النوع من الإعجاز عن المقدار الذي أتى به القرآن من الأسلوب الفصيح والبليغ، بما يتعذر على أي إنسان تقليده، بغض النظر عن قوة بلاغته في الشعر أو النثر. لقد تميز القرآن بالبلاغة حتى أصبحت في مرتبة الإعجاز؛ فلا يمكن لأحد أن يخرج بمثله أو حتّى بآية واحدة من آياته.
حظي ترتيب الأحداث والمواقف في القرآن الكريم بنظم فريدة من نوعها، مما أعجز البشر عن الإتيان بمثلها. ومن أبرز هذه الأشكال:
سواء كان في النهي أو الأمر أو الإباحة، مثلاً، نجد أوامر صريحة مثل: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، وإعلانات عن الواجبات مثل قوله -عز وجل-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ).
يتجلى الإعجاز البياني في القصص القرآني من خلال السرد البديع، حيث تميزت هذه القصص بقدرتها على التمييز بين الوقائع الحقيقية التي حصلت والشواهد الواقعية، دون الحاجة للتخييلات أو التأويلات، بينما جاء سرد القرآن بأهمية وموضوعية تنأى عن ما يُكتب في الإبداعات الأدبية.
يمثل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الإخبار عن ظواهر كونية لم تكن معروفة في زمن نزول الآيات، وقد أثبتها العلم التجريبي الحديث، مما يعكس صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يُبلغ. ومن أمثلة هذا الإعجاز:
ومن خلال رؤية العلم الحديث، نلاحظ أن السماء معلقة بقوى المجال في الفضاء، وهو ما لا يمكن رؤيته بالعين المجردة.
يتعلق الإعجاز الغيبي بالأحداث والوقائع التي كانت غائبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لم يكن حاضراً لحظة وقوعها. وتنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية، هي:
ويمثل الأحداث التي وقعت قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يكن لديه علم بها، لكن الله عز وجل أوحى إليه بها، مثل قصة مريم وكفالة زكريا -عليه السلام- لها، كما ورد في قوله -تعالى-: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
وهو ما وقع خلال زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن شاهداً عليه، كما تشهد على ذلك وصف القرآن للمنافقين وكشف ما يعتمل في قلوبهم من تناقض.
فقال -تعالى-: (وما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَليَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ).
وهي الآيات التي أظهرت أحداثًا مستقبلية لم تكن قد وقعت عند نزولها، وقد حدثت فيما بعد، سواء في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بعد وفاته، مثل الإخبار بموت بعض المكذبين الذين ماتوا على كفرهم، وفي هذا السياق نجد الإخبار بموت أبي لهب -عليه لعنة الله- كما قال -تعالى-: (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).
أحدث التعليقات