تُعتبر حروف العطف أدوات مهمة للغاية في اللغة العربية، حيث تعمل على ربط الجمل أو الأجزاء المختلفة في السياق الأدبي. هذه الحروف تتكون من تسعة عناصر هي: (الواو، الفاء، ثم، حتّى، لكن، بل، أم، لا، أو). وإذا تعلَّق الأمر بالإعراب، فإن هذه الحروف تتبع المعطوف عليه في الرفع والنصب والجر والجزم، مما يجعل المعطوف تابعًا للمعطوف عليه. سنتناول في هذا المقال معاني هذه الحروف مع أمثلة من الشعر العربي تضمُّ جميعها.
تُستخدم الواو لإشراك المعطوف في المعنى، دون توضيح أيهما جاء أولاً، لذا فإنها لا تفيد الترتيب الزمني. فالواو تعني الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه.
الشاعر فمِن مالِهِ مالُ الكبيرِ ونفسُهُ
ومِن مالِهِ درُّ الصغيرِ ومهدُه
هذا يَحُلُّ وذاكَ يرحلُ كارهًا
عنهُ فصُلحُ تارةً، وخصامُ
هذهِ دولةُ المكارمِ والرأ
فةِ والمجدِ والنَّدى والأيادي
فالنُّورُ -لوبيَّنتَ أمْركَ- ظُلمةُ
والبدءُ -لو فكَّرتَ فيهِ- خِتامُ
فقد ملَّ ضوءُ الصُّبحِ ممّا تُغيرهُ
وملَّ سوادُ اللَّيلِ ممّا تُزاحِمُه
فالخيلُ واللَّيل والبَيْداءُ تعرفني
والسّيف والرُّمح والقرطاسُ والقلمُ
تستخدم الفاء للدلالة على الترتيب والتعقيب، حيث تأتي بين حدثين يحدثان بشكل متتابع، كما قد تُعبّر أحيانًا عن السببية عند الربط بين جملتين.
فَآكفكَفَ منتصبَ المَنكبينِ،
لِفرطِ الشَّهامة والنجدة
فَـقلنا لِسائِسهِ:ما تَرى!
فـأطلقهُ سَلسَ العُقده
فـمرَّ كمرِّ شهابِ الظّلامِ،
لِيفعلَ داهيةً إدَّه
قالت دخلتَ وما إخالُكَ بارِحًا
إلّا وقد أبقيتَ عارَ المُسنَدِ
فـمسحتُها حتّى اطمأنَّ فؤادها
ونفيْتُ روعتها برأيٍ مُحصَدِ
ألمّ خيالٌ هاجَ وَقْرًا على وقرِ
فـقلتُ: أما حَيّيْتمُ زائرَ السَّفرِ
فـساقهم منَزِلُ الغيثِ سجلا
يجعلُ النَّبتَ للعراءِ وِشاحا
تُستخدم “ثم” للدلالة على الترتيب مع وجود فاصل زمني، ويمكن أن نقول: (دخل مؤمن الصف ثم ابتهال)، مما يعني أن دخول ابتهال حدث بعد فترة من دخول مؤمن.
ثُمَّ وسِّدهُ، إذا ما غلَبتْ
سَورةُ الرَّاحِ عليه، عَضُدَهُ
هنيئًا للمدينةِ، إذْ أهلّتْ
بأهلِ المُلكِ أبدأ ثمَّ عادَا
قُل لِمَن سادَ ثُمَّ سادَ أَبوهُ
قَبلَهُ ثُمَّ قَبلَ ذَلِكَ جَدُّه
ثُمَّ آبائُهُ إِلى المُبتَدى مِن
آدَمَ لا أَبٌ وَأُمٌّ تَعُدَّه
فَوَاللَهِ ثَمَّ وَاللَهِ إِنّي لَدائِبٌ
فَكِّرُ ما ذَنبي إِلَيكِ فَأَعجَبُ
أَلا حَيِّ رَهبى ثُمَّ حَيِّ المَطالِيا
قَد كانَ مَأنوسًا فَأَصبَحَ خالِيا
أَميلُ بِقَلبي عَنكِ ثُمَّ أَرُدُّهُ
وَأَعذِرُ نفسي فيكِ ثُمَّ أَلومُها
واهًا لِرَيّا ثُمَّ واهاً واها
هِىَ المُنى لَو أَنَّنا نِلناها
يُعاهِدُني لا خانَني ثُمَّ يَنكُثُ
وَأَحلِفُ لا كَلَّمتُهُ ثُمَّ أَحنَثُ
تستخدم “أو” للدلالة على الشك أو التخيير، وقد تأتي لتخيير بين خيارين أو أكثر، كما في: (تريد الربح أو الخسارة). وعند الشك، كذلك، فيمكن أن تأتي بعد الاستفهام.
قال جرير:
هلْ تَذكرونَ بلاءَكمْ يومَ الصّفا
أو تذكرونَ فوارسَ المأمورِ
أو دُخْتُنوسَ غداةَ جُزَّ قُرونها،
ودَعَت بدعوةَ ذلَّةٍ وثُبورِ
إنَّ في بُردَتيَّ هاتَينِ لَيثًا
يَقِصُ القِرنَ، أو يَفُلُّ السِّلاحا
إنّي فقدتُ اليومَ بين بيوتِكم
عقلي فردّوه عليَّ لأهتدي
أو فاستقيدوني بِبعضِ قِيانكم
حتّى تردَّ إليَّ نفسي أو تَدي
على كلِّ طاوٍ تحت طاوٍ كأنَّهُ
من الدَّم يُسقى أو من اللَّحمِ يُطعمِ
جَفا وِدُّهُ فَاِزوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه
وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزالَ يُعاتِبُه
تدل “حتى” على انتهاء الغاية، وهي تستخدم وفق شروط محددة مثل أن يكون المعطوف اسمًا صريحًا، وأن يمثل جزءًا من المعطوف عليه. يجب أن تشير إلى غاية كذلك.
إنّ القوافيَ لمْ تُنِمكَ وإنّما
محَقَتْكَ حتَى صِرتَ ما لا يوجَدُ
يقرِّبُهُ التَّذكارُ، حتَّى كأنَّني
أعاينُه في كلِّ أحواله عندي
والذي يضرِبُ الكتائبَ حتَّى
تتلاقى الفِهاقُ والأقدامِ
خَرجنا، على أنَّ المُقامَ ثلاثةٌ،
فطابَ لنا حتَّى أقمنا بها شهرا
إذا ما دَنا وقتُ الصّلاةِ رأيتهُمْ
يَحُثّونها، حتَّى تَفوتهمُ سُكرا
حَسُنت به الأيامُ حتَّى أسفرَت
عن وجهِ معشوقِ الشّمائلِ أغْيدِ
وصَفتْ مواردَ مصرَ حتّى أصبحتْ
بعدَ الكُدورةِ شِرعةً للوُرَّدِ
ما زِلتُ أمنعها المَنام غَوايةً
حتّى لقد بِتنا بليلِ الأنْقَدِ
حتّى إذا نمَّ الصّبا وتتابعَت
زِيَمُ الكواكبِ كالْمَها المتَبدِّدِ
تستخدم “أم” في سياق طلب التعيين وتحتاج إلى همزة استفهام مسبقة، مثل: (أأنتَ من كسرت الزجاج أم علي). وفي بعض الحالات تعني الإضراب.
قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ
أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ
أَحُلماً نَرى أَم زَماناً جَديدًا
أَمِ الخَلقُ في شَخصِ حَيٍّ أُعيدا
من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ
هذا المقبّلُ بين الشوقِ والوجَل
أَصَحَوتَ اليَومَ أَم شاقَتكَ هِر
وَمِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُستَعِر
أوجهك أم ضوء الصباح تبلجا
أم البدر في برج الكمال جلا الدجى
أم الشمس يوم الصحو في برج سعدها
وفرعك أم ليل المحب إذا سجا
وبرق سرى أم نور ثغرك باسما
ونشرك أم مسك ذكي تأرجا
تُفيد “بل” الاستدراك، وتظهر في نوعين: الإضراب الإبطال، حيث تتعلق بإبطال معلومة محددة، والإضراب الانتقالي، حيث تتحول من حكم إلى حكم آخر.
بَل يا أخا السّيف الطّويل نَجادُهُ
إنْ أنتَ لم تحمِ النّزيلَ فأغمدِ
بعفوِكَ، بل بجودِكَ عُذتُ، لا، بل
بفضلكَ، يا أمير المؤمنينا
أتصحو بل فُؤادكَ غيرُ صاحِ
عشيّة همّ صحبُكَ بالرّواحِ
الجسمُ في بَلَدٍ وَالرُّوحُ في بَلَدِ
يَا وحشَة الرُّوحِ بَلْ يَا غُربَةَ الجَسَد
هُنِئتَ بِالعيدِ بَل هُنِّيَ بِكَ العيدُ
فَأَنتَ لِلجودِ بَل إِرثٌ لَكَ الجودُ
صَبا صَبوَةً بَل لَجَّ وَهُوَ لَجوجُ
وَزالَت لَها بِالأَنعَمَينِ حُدوجُ
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
بل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
تستخدم “لا” لنفي المعنى، حيث تشير إلى نفي ما جاء قبلها مع تأكيد ما بعدها، كقولنا: (جاء علاء لا أحمد). يشترط أن تسبقها جملة غير منفية.
وبيضٍ مسافرةٍ ما يُقِمْـ
ـنَ لا في الرّقاب ولا في الغُمودِ
ولا نَحتَبي عندَ عقدِ الجَوارِ
بغيرِ السّيوفِ ولا نرتَدي
نَقضوا العُهودَ فلا عهـ
ـودَ ولا وفاء ولا ذِمام
لا يُري عاتبًا على شِيَمِ الدَّهـ
ـرِ ولا عابثًا، ولا مَزَّاحا
يَقِرُّ له بالفضلِ من لا يَوَدُّهُ
ويقضي لهُ بالسَّعدِ من لا يُنجِّمِ
تستخدم “لكن” للإشارة إلى الاستدراك، ومن شروط العطف بها ألا تتصل بواو، أو أن تسبقها نفي أو نهي، وأن يكون المعطوف إليه مفردًا.
أبو المِسكِ لا يفنى بذنبِكَ عفْوُهُ
ولكنَّهُ يفنَى بعُذركَ حقدُهُ
لكنَّ ذكراكَ يا وادي الشّتاء وهوى
جآذر السّير رأسَ الكومِ في رأسي
ولكنْ إذا لم يُسعدِ المرءَ جدُّهُ
على سعيهِ لم يبلُغِ السُّؤلَ جِدُّهُ
وما أنا بالمغلوبِ دون مرامِهِ
ولكنَّه قد يخذُلُ المرءَ جَهدُهُ
وما خَضَبَ النَّاسُ البياضَ لأنَّه
قبيحٌ ولكن أحسنُ الشَّعرِ فاحِمُه
كلُّ آبائِهِ كرامُ بني الدُّنيـ
ـا ولكنَّه كريمُ الكِرامِ
ولستَ مليكًا هازِمًا لنظيرهِ
ولكنَّكَ التوحيدُ للشّركِ هازمُ
أحدث التعليقات