سَلَّ الرَبيعُ عَلى الشِتاءِ صَوارِماً
تَرَكتهُ مَجروحاً بِلا إِغمادِ
وَبَكَت لَهُ عَينُ السَحابِ بِأَدمُعٍ
ضَحِكَت لِساجِمِها رُبى الأَنجادِ
وَبَدَت شَقائِقُها خِلالَ رِياضِها
تُزهى بِثَوبي حُمرَةٍ وَسَوادِ
فَكَأَنَّها بِنتُ الشِتاءِ تَوَجَّعَت
لِمُصابِهِ كَشَقيقَةِ الأَولادِ
جاءَ الشِتاءُ جيأَةَ المُفاجي
كأنما قد كانَ في الرِتاجِ
فَجَمَدَ السائِلُ في الزُجاجِ
واكتستِ الأَرضُ بمثلِ العاجِ
فامتنعَ المَرعى على النِعاجِ
وامتنعَ الحَبُّ على الدَجاجِ
وامتنعَ السَيرُ على النَواجي
رُبَّ جَوادٍ لاحقٍ هِملاجِ
مُعَوَّدِ الإِلجام وَالإِسراجِ
والوخد والذميل والإهمَاجِ
أصبحَ مثلَ العِرقِ في اختِلاجِ
مُنعرِجاً في غَيرِ ذي إنعراجِ
لو هاجَهُ الراكبُ بالكُرباجِ
لما مَشى بِهِ سِوى إعوجاجِ
لَولا الجَليدُ طارَ بالمُهتاجِ
مثلَ البُراقِ بفَتى المِعراجِ
وحَطَّهُ والشمسُ في الأَبراجِ
لكنهُ مِنهُ على الزُجاجِ
وأمسكَ الناسُ عنِ اللجاجِ
أما ترى نداءهُم تَناجي
كأنما الجُموعُ في المَلاجي
على مِنى مَواكِبُ الحُجّاجِ
ورَغِبَ المُثري عَنْ الديباجِ
إلى اللِباسِ الخَشِنِ النِساجِ
وكان أَن جيءَ لَهُ بِالتاجِ
أعرَضَ عَنهُ وارِمَ الأَوداجِ
وانقَبَضَ النَهرُ عَنِ الهِياجِ
وكان مِثلَ الزاخِرِ العَجّاجِ
يُصارِعُ الأَمواجَ بالأَمواجِ
يا مَسبَحَ الأوز والدُرّاجِ
كيفَ غَدَوتَ مَوطِئَ الأَحداجِ
ومَعبَرَ الخَلقِ إلى الخَراجِ
ما لِي والصُبحُ على اِنبِلاجِ
أخبِطُ كالعَشواءِ في الدَياجي
إذا أَرَدتُ السَيرَ في مِنهاجي
طالَ عِثاري فيه وانزِلاجي
كَأَنَّي أَمشي عَلى زُجاجِ
مُحتَذِياً بِالزئبقِ الرَجراجِ
خَيَّلَ لي لِشِدَةِ ارتِجاجي
أَنَّ دَمي يَرتَجُّ في أَشاجي
أرى الدُنى ضَيَةَ الفِجاجِ
ولم تَضِق لكنّما احتِياجي
إلى طريقٍ واضِحِ الشِجاجِ
أَسلُكُ فيهِ غَيرَ ما انزِعاجِ
وحاجَتي بِكَوكَبِ الوَهّاجِ
كَحاجَةِ الأَعمى إِلى سِراجِ
إن لَجَّ هَذا القَرُّ في إحراجي
لَأَرفَعَنَّ للسَما اِحتِجاجي
وكان الوعد أن تأتي شتاءً
لقد رحل الشتاء.. ومضى الربيع
تطرزها، ولا ثوبٌ بديع.
ولا شالٌ يشيل على ذرانا
وهاجر كل عصفورٍ صديقٍ
ومات الطيب، وارتمت الجذوع
وفي تشرين، في الحطب المغني
وفي كرم الغمائم في بلادي
وفي النجمات في وطني تضيع
إليها قبل، ما اهتدت القلوع
ولا ادعت الضمائر والضلوع
قال الشاعر: جودي علينا يا سماء
جودي علينا بالمطر قد جاءنا فصلُ الشتاء
فصل التجدّدِ للشجر
فصل الغيوم الراعدة
إذ ترتدي ثوب الهطول
فصل الثلوج الواعدة
تهدي القصائدَ للحقول
تهدي الحقول سنابلاً
تنمو وتكبر في فرح
تهدي السهول جداولاً
يرتادها طير المرح
هيا استعدي يا جبال
واستقبلي درر المطر
هيا استعدي يا تلال
للعشب ينمو للثمر
قد جاءنا فصلُ الشتاء
فصل المحبة والعطاء
أحدث التعليقات