يقول محمود درويش:
أشتاق إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسات أمي
تتجدد في طفولتي
يوماً بعد يوم
وأعشق حياتي لأنني
إذا متّ،
أشعر بالخجل من دموع أمي!
خذيني، إذا عدتِ يوماً
وشاحاً لعينك
واغطّي عظامي بعشب
تم تعمّد من طهارة كعبك
وإربطي وثاقي..
بخصلة من شعرك
بخيط يرفرف في ثوبك..
عساي أصبح إلهاً
إذا ما لمست عمق قلبك!
استخدمي، إذا ما رجعتِ
وقوداً لنار منزلك..
وحبل غسيل على سطح بيتك
لأنني فقدت القدرة على الوقوف
بدون صلاتك في نهارك
هرمت، فأعيدي لي نجوم الطفولة
لكي أشارك
صغار الطيور
درب العودة..
إلى عشّ انتظارك.
يقول نزار قباني:
صباح الخير يا جميلة..
صباح الخير يا قدس الحلوة
قد مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
في رحلته الخيالية
وخبأ في حقائبه
صباح وطنه الأخضر
ونجوماً وأنهاراً، وكل أخيه الأحمر
وخبأ في ثيابه
عروق النعناع والزعتر
وليلكة دمشقية..
أنا وحدي..
دخان سجائري يضجرني
ومقعدي يضجرني
وأحزاني عصافير..
تفتش -بعد كل هذا- عن بيدر
عرفت نساء أوروبا..
عرفت عواطف الإسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب..
طفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر
ولم أجد..
امرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها..
عرائس السكر
وتكفيني عندما أكون عارياً
وتساعدني عندما أتعثر
يا أمي..
يا أمي..
أنا الصبي الذي أبحر
ولا زالت في خاطره
تعيش عروسة السكر
كيف.. كيف يا أمي
أصبحت أباً..
ولم أكبر؟
صباح الخير من مدريد..
كيف حالها الفُلّة؟
أوصيكِ بأمي..
تلك الصغيرة
كانت أغلى حبيبة لأبي..
كان يدللها كطفلته
يدعوها إلى فنجان قهوته
ويطعمها..
ويغمرها برحمته..
ثم رحل أبي
ولا زالت تعيش في حلم عودته
وتبحث عنه في أرجاء غرفته
وتسأل عن عباءته..
وتسأل عن جريدته..
وتسأل –عندما يأتي الصيف–
عن فيروز عينيه..
لتنثر فوق كفيه..
دنانير من الذهب..
تقبلاتي..
تقبلاتي..
إلى بيت زرع فينا الحب والرحمة
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة “ساحة النجمة”
إلى فراشي..
إلى كتبي..
إلى أولاد حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنام على شرفاتنا
وليلكةٍ تتسلق على نافذة جارتنا
مضى عامان.. يا أمي
ووجه دمشق،
عصفورٌ يحنو في قلوبنا
يلعب بأصابعنا..
مضى عامان يا أمي
وليل دمشق
فلُّ دمشق
بيت دمشق
يعيش في ذكرياتنا
مآذنها.. تضيء مراكبنا
كأن مآذن الأمويين..
قد زُرعت في قلبنا..
كأن حدائق التفاح..
تعبق في ضمائرنا
كأن النور والأحجار
جاءت كلها معنا..
لقد أتى أيلول يا أمي..
والحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي
مدامعه وندامته
قد جاء أيلول.. أين دمشق؟
أين أبي وعيناه
أين حرير نظراته؟
أين عبير قهوته؟
سقى الرحمن مثواه..
وأين رحاب بيتنا الكبير..
وأين سعادتي؟
وأين مدارج الفرحة..
تضحك في زواياه
وأين طفولتي فيه؟
أجرجر ذيل قطته
وآكل من كرومه
وأقطف من بنفساجته
دمشق، دمشق..
يا شعراً
على حدقات أعيننا كتبناه
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره مزقناه
جثونا عند ركبته..
وذبنا في محبته
إلى أن في محبتنا قتلناه.
أحدث التعليقات