يقول محمد موفق وهبه:
أحدثك اليوم عن أجمل الذكريات
بحثت عنها في كل دغل وفلاة
وفي عشيات الظلام الدامس
وفي طرق بعيدة عن ضوء الإحساس
وبين القبور
نبشت دهاج محدودة بغبار الزمان
لكنني لم أجدها في أي مكان
وحين غزاني النعاس
جاءت مع الحلم دون تردد
تظللها سحب كثيفة من الدخان
ويسبقها عطرها الفواح
اجتمعن أمامي على بساط من الزهور
فقدّمن لي التحيات بالدموع
تناثرت حزناً على وجنتيّ
فازدهرت الورود والتوت
وانتشر المسك الفتي
وساد الصمت
كاننا سقطنا تحت تأثير سحر اللقاء
فكما كنت أشتاق إليهن، كنّ يشتقن إليّ بشغف
ورحت أروي لهن ما مررت به
وما ألمّ بي بعد الفراق من آلام
فقبلنني بأنين وزفرات
روين لي ما لم أنساه
وأقسمن أن لا يفارقنني ما حييت
نعم يا صديقي، هي الذكريات الجميلة
وإن رقدت خلف صمت الأحاسيس، فهي لا تموت:
سنوات الدراسة، والعمر الأخضر
ربيع الحياة، وحدائقها المزدهرة
إنها اليوم واحة ظليلة في عمري
وكم كنت أعتبرها كئيبة!
لكنها لم تكن، بل كانت صقيع العناء
وشدة الشقاء
فتعبت الحروف من عينيّ، ورأسي
تجوب فيه أصداء الصداع صباحاً ومساءً
تدق ألف مطرقة وألف فأس
كل ذلك قد مر دون انتباه
وكأن لم تكن هناك فصول من الحياة
ومر قطار الزمان وخلّف آثاره في الوجوه
لكن بودّ وطيبة
استعدنا كل ما قد محاه الزمن
من أعمارنا من ذكريات الأحبة
صديقي، تمنيت لو أنني لم أكبر يوماً
تمنيت لو بقيت صغيراً
وما زال كل الذين عرفتهم
يُنادونني يا صغير
مثل أمي
تُناديني صغيري ولا تذكر اسمي
بينما همّي
طيور صغيرة
ودراجة كل يومي
أظلّ أتنقل بها
نعم، كانت تلك أياماً في زمن قصير
ولم يكن يعلم الوقت أن جيش الكآبة سيزورنا
ليغمر فجر الفرح
بظلمه القاسي
صديقي، بعد الانتهاء من كتابة هذه السطور
سأحرر نفسي من سجن الوهم إلى فضاء أرحب
سأرمي وراءي همومي
وأحزاني واكتئابي
سأملأ دربي بالأزهار والسرور
سأدخل حياة جديدة
بنفسٍ سعيدة
وروحٍ تواقة للحب
سأهدم قبو الهموم، وأقفل باب الضجر
سأطير، سأطير
بجناح الفرح
وأسافر في عالم الأمنيات الرائع
في أفق المحبة سأجمع قلوباً هادئة
سيصبح ظلي خفيفاً
لكنني لا أدري لماذا أكتب هذه الكلمات
وحدقتي تذرف الدموع..؟
يقولون: اكتب ما يدور في قلبك
فإن القلم الحكيم
سيسكب همومك في السطور
صديقي،
إلى اللقاء يا صديقي..
أنا في انتظار رسالة حب صغيرة
تعيد لقلبي مشاعره
وتطفئ جزءاً من ناري
فلا تبخل عليّ ببعض الكلمات
لتطمئن ذاتي
وتنير طريقي..
وداعاً يا صديقي.
يقول عبد السلام بركات زريق:
للشارع القديم ذكريات
وللمطر
يوم التقيت شعرَكِ المجدول بالضياء
يجري وحيداً ضائعاً في زحمة المساء
يصارع الضجر
قد قمت بترويض ضفائر النساء يا حبيبتي
وأذرع النساء
وألسن النساء
لكنني لم أستطع ترويض العيون
فكل عينٍ عالمٌ مليء بالألوان والأحاسيس
ألوانها
أحزانها
مسجونة هناك في يد السكون
ها أنا أتيت من أعماق الفضاء
لأستريح في فراشها الوثير
وقد دخلتُ في أحلام عينيكِ، يا حبيبتي
فأغلقِي الجفون
هنا أستطيع أن أكون
هنا أستطيع أن أطير
إلى فضاء قلبك الكبير.
أحدث التعليقات