تسعى النفس لكن العسر يمنعها
والحر يعتذر إن كان بالعسر اعذارهُ
الخير يُبقي، وإن طالت به الأيام
والشر أخلق ما تجنيه من زادِ
وإن كنت تسعى للعيش، فابغِ التوسط
فعند التناهي ينحسر المطاول
لتتقي البدور نقصاً وهى أهِلّة
ويدركها النقصان وهي كوامل
ولو كنت أسعى لأدني عيشةٍ
لكفاني قليلٌ من المالِ
لكنني أسعى لمجدٍ مؤثَّلٍ
وقد يدرك المجد المؤثَّل أمثالي
إن المكارم هي أخلاق مطهرة
فالدين أولها، والعقل ثانٍ
والعلم ثالثها، والحلم رابعها
والجود خامسها، والفضل سادسها
والبر سابعها، والصبر ثامنها
والشكر تاسعها، واللين باقيها
والنفس تعلم أنني لا أصادقها
ولست أرشد إلا حين أعصيها
ألا إن أخلاق الفتى كزمانه،
فمنهم بِيضٌ في العيون، وسودُ
وتأكلنا الأيام، فكأنما
تمر بنا الساعات، وهي أسودُ
وقد يخمل الإنسان في عنفوانه،
وينبه من بعد النهى، فيسود
فلا تحسدن يوماً على فضل نعمةٍ،
فحسبُكَ عاراً أن يقال حسود
أخلاق مجدك جلَّت، ما لها خطرٌ
في البأس والجود بين العلم والخبر
متوجٌ بالمعالي، فوق مفرقهِ
وفي الوغي ضيغَمٌ في صورة القمر
للفضل أخلاقٌ يلقن بفضله،
ما كان يرغب مثلُها عن مثلِه
جمع المكارم كلها بخَلائِقٍ،
لم تجتمع في سيدٍ من قبله
فمتى يقف، تقف العلا، ومتى يسر،
متوجهاً تسير العلا في ظله
إحسانه دركُ الرجاءِ، وقوله
عند المواعيد شعبةٌ من فعله
قسم التلاد مبعداً، ومقارباً،
ورأى سبيل الحمد أصلح سُبله
لم تجهد الأجواد غايات سؤددٍ
إلا تناوله بأهون رسله
يُنبيكَ عن قرب النبوة هديه،
والشيء يُخبر بعضه عن كله
وبحسبه المأمون والمهدى والمنصور
من كثرة الأفعال وقلةِ
شرفٌ، أبا العباس، قمت بحقّه،
فهجرتَ كل دنيئةٍ من أجله
الله يشهد، وهو أفضل شهيد،
أن ابن عمك أفضَلُ رسله
تلوّن أخلاق الفتى من ملاله
ووشك ملالِ المرء شرُّ خلاله
وإني لمشتاقٌ إلى ظل صاحبٍ
مشوقٌ إلى تشبيه حالي بحاله
إذا الدهر أعطاني رأى مثل رأيه
فباراه جوداً واقتدى بفعاله
وإن ضنّ دهرٌ مرة بعطيةٍ
تناولني في ضيقته بنواله
إلى أن يسدّ الله فقري فلا يرى
صديقي في حالي مسدّاً لماله
وأكره للسمح اليدين اعتلاله
على صاحبٍ قد عدّه من عياله
أمستكثرٌ لي أن مُنحتُ منيحةً
أخٌ لا أرى الدنيا تفي بقباله
حمى جانباً قد كان أرعاه مرةً
لأن سحاباً بللني ببلاله
وقد كان أحق أن يباري في الندى
فيسقيني من مرويات سجاله
ومن ضن أن أُعطَى سواه كمن رأى
جمال أخيه كافياً من جمالهِ
وما ترك علقٍ منفس كاقتنائه
ولا رفض فعل صالح كامتثاله
أبى لأبي سهلٍ سوى الطول أنه
يلاقي اعتلال المالِ دون اعتلالهِ
سيعطفه أني محقٌ وأنه
حكيمٌ وأن العدل من حال بالهِ
وما مثل إسماعيل جار قضاءُه
عدل الفتى في حكمه كاعتداله
إلى الله أشكو طوع نفسي للهوى
وإسرافها في غيها وعيوبها
دعتني إلى ما تشتهي فأجبتها
فاقتُضي نَصيبي في طلب نَصيبها
وما هي إلا كالفراشة إنّها
ترى الناس ناراً ثم تُصلى لهيبها
جامل أخاك إذا استربت بودّه
وانظر به عقب الزمان العائد
فإن استمر به الفساد فلا تحلّه
فالعُضْو يُقطَع للفساد الزائد
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تعطني طاعة
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
ولا تمهل الأعداء يوماً بقدرة
وبادرهم أن يملكو مثلها غداً
نرجو الحياة فإن همّت هواجسنا
بالخير قال رجاء النفس إرجاء
وما نفيق من السكر المحيط بنا
إلا إذا قيل هذا الموت قد جاء
ليس الجديد به تبقى بشاشته
إلا قليلاً، ولا ذو خُلةٍ يصلُ
والعيش لا عيش إلا ما تقرّ به
عين، ولا حالة إلا ستنتقلُ
والناس من يلقَ خيراً قائلون لهُ
ما يشتهي ولأم المخطيء الهبلُ
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزللُ
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك، إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الأقران
أحدث التعليقات