يُعتبر القرآن الكريم كلام الله المعجز، الذي أُنزِل على النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكل متقطع خلال فترة الرسالة المحمدية التي امتدت لثلاث وعشرين عاماً. وقد تناولت سور وآيات القرآن الكريم النزول وفقاً للأحداث والوقائع، مع مراعاة الظروف والأحوال التي عصفت بالمجتمع آنذاك. وكان هذا التنزيل يهدف إلى التدرج في تقرير الأحكام الشرعية والتكاليف، بالإضافة إلى الإجابة على الأسئلة التي كانت تدور في أذهان الناس حول العقيدة والشريعة. وكانت الآيات الكريمة تُنزَل لتوضيح أحداث معينة أو مواقف تحتاج إلى تفسير شامل. كما ساعد الأسلوب المتقطع في التيسير على حفظ القرآن وفهمه من قِبَل أمةٍ كانت تعاني من ضعف في القراءة والكتابة. وقد قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا). وقد تم تقسيم القرآن الكريم إلى مرحلتين اعتماداً على طبيعة الآيات: إذ تُعرف الآيات التي وُزِّعت قبل الهجرة بالمكية، بينما تُعتبر التي جاءت بعدها مدنية. وقد تميزت السور والآيات المدنية بتقديم الأحكام الشرعية التي تنظم حياة المجتمع بعد تأسيس دولة الإسلام، فضلاً عن معالجة القضايا الفقهية المتنوعة التي تهم الناس، مثل: أحكام العبادات والمعاملات والمواريث والحدود، وغيرها من المسائل التشريعية.
تعتبر أطول آية في القرآن الكريم هي تلك التي تتناول مسألة الدين وضرورة توثيقه؛ وهي الآية الثانية والثمانون بعد المئتين من سورة البقرة، المعروفة بآية الدين. يُعد موضوع الدين من أبرز القضايا المعاملة فيما بين الناس، وقد أشار بعض العلماء إلى أن آية الدين هي آخر ما نزل من القرآن الكريم، مما يدل على أهمية التداين كحاجة اجتماعية. فالكثير من الناس يعتمدون على التداين لتعزيز معاملاتهم وزيادة نشاط perdagangan، حيث لا يمتلك كل من يرغب في ممارسة التجارة أو الزراعة رأس المال الكافي. لذلك، شرع الله تعالى التداين لإيجاد طرق مناسبة لتفريغ الطاقات الإيجابية في المجتمع، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ… (إلى أن قال)… وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ). أما عن سبب نزول هذه الآية، فقد أورد الإمام الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما ورد في كتب ابن كثير والرازي، أن هذه الآية نزلت في تجارة السَّلم، أي الدفع مقابل الحصول على سلعة معينة في مستقبل محدد. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الآية تتضمن أحكام السلم والقرض، وجوب توثيق الدين.
تتضمن آية الدين توجيهًا إلهيًا بتوثيق الديون بين الناس والإشهاد عليها لتنظيم وحماية حقوقهم. وقد استنبط العلماء من هذه الآية عدة فوائد جوهرية، من أهمها:
أحدث التعليقات