أشعار تعبر عن قيمة وعزة النفس

عزّة النفس

تُعرف عزة النفس بأنها القدرة على الارتفاع عن مواضع الإهانة وما يُهين الذات. فعزيز النفس لا يقبل أن يَفقد كرامته، ويسعى دائمة للمحافظة على سمعته وضميره، ويقف شامخًا برأسٍ مرفوع وعينين ثابتتين، ويتجنب ذل الطمع، ولا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه وقيمه النبيلة.

انقباض النفس حسب قولهم

  • تعتبر هذه القصيدة لعلي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي القاضي الجرجاني من أجمل قصائدها في عزّة النفس:

يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما

رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما

أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم

ومن أكرَمته عزةُ النفسِ أكرِما

ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا

بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما

وما زلتُ مُنحازاً بعرضيَ جانباً

من الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما

إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى

ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا

أُنزِّهها عن بَعضِ ما لا يشينُها

مخافةَ أقوال العدا فيم أو لما

فأصبحُ عن عيبِ اللئيمِ مسلَّما

وقد رحتُ في نفسِ الكريمِ مُعَظَّما

وإني إذا ما فاتني الأمرُ لم أبت

أقلِّبُ فكري إثره مُتَنَدِّما

ولكنه إن جاء عَفواً قبلتُه

وإن مَالَ لم أُتبعهُ هَلاِّ وليتَما

وأقبضُ خَطوي عن حُظوظٍ كثيرةٍ

إذا لم أَنلها وافرض العرضِ مُكرما

وأكرمُ نفسي أن أُضاحكَ عابساً

وأن أَتلقَّى بالمديح مُذمَّما

وكم طالبٍ رقي بنعماه لم يَصِل

إليه وإن كَانَ الرَّئيسَ الُمعظَّما

وكم نعمة كانت على الُحرِّ نقمَةً

وكم مغنمٍ يَعتَده الحرُّ مَغرَما

ولم أبتذل في خدمة العلمِ مُهجَتي

لأَخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما

أأشقى به غَرساً وأجنيه ذِلةً

إذن فاتباعُ الجهلِ قد كان أَحزَما

ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم

ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما

ولكن أهانوه فهانو ودَنَّسُوا

مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما

فإن قُلتَ جَدُّ العلم كابٍ فإنما

كبا حين لم يحرس حماه وأُسلما

وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني

ولا كلُّ من في الأرضِ أرضاه مُنَعَّما

ولكن إذا ما اضطرني الضُّرُّ لم أَبتِ

أُقلبُ فكري مُنجداً ثم مُتهما

إلى أن أرى ما لا أغَصُّ بذِكره

إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعما

حديث النفس عند الخلوة

  • أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن محمد بن عيسى بن شهيد الأشجعي، وُلِد عام (323هـ) وتوفي عام (393هـ)، قال في قصيدته هذه عن عزة النفس.

وقالت النفس لما أن خلوت بها

أشكو إليها الهوى خلوا من النعم

حتام أنت على الضراء مضطجع

معرس في ديار الظُّلْم والظُلَم

وفي السرى لك لو أزمعت مرتحلا

برء من الشوق أو برء من العدم

ثم استمرت بفضل القول تنهضني

فقلت إني لأستحيي بني الحكم

الملحفين رداء الشمس مجدهم

والمنعلين الثريا أخمص القدم

ألمت بالحب حتى لو دنا أجلي

لما وجدت لطعم الموت من ألم

وذادني كرمي عمن ولهت به

ويلي من الحب أو ويلي من الكرم

تخونتني رجال طالما شكرت

عهدي وأثنت بما راعيت من ذمم

لئن وردت سهيلا غب ثالثة

لتقرعنّ علي السن من ندم

هناك لا تبتغي غير السناء يدي

ولا تخف إلى غير العلا قدمي

حتى تراني في أدنى مواكبهم

على النعامة شلالاً من النعم

ريّان من زفرات الخيل أوردها

أمواه نيطة تهوي فيه باللجم

قدام أروع من قوم وجدتهم

أرعى لحق العلا من سالف الأمم

رؤية العزم وأعمدة النجاح

  • يُعتبر محمد مهدي الجواهري شاعرًا عراقيًا من العصر الحديث، وُلِد عام 1899م وتوفي عام 1997م، وأصدر ديوانه الشعري الأول في عام 1928م بعنوان (بين الشعور والعاطفة)، وله قصائد رائعة في عزة النفس.

هو العزم لا ما تدعي السَّمَر والقضب

وذو الجد حتى كل ما دونه لعب

ومن أخلفته في المعالي قضية

تكفل في إنتاجها الصّارم العضب

ومن يتطلّب مصعبات مسالك

فأيسر شيء عنده المركب الصّعب

ومن لم يجد إلا ذعاف مذلّة

وروداً فموت العزّ مورده عذب

وهل يظمأ اللاوى من الذلّ جانباً

وبيض الظبا رقراقها علل سكب

إذا رمت دفع الشكّ بالعلم فاختبر

بعينك ماذا تفعل الأسد الغلب

أما والهضاب الرّاسيات ولم أقل

عظيماً، فكل دون موقفه الهضب

لئن أسلمتهم عزة النفس للردى

فما عودتهم أن يلم بهم عتب

أحبّاي لو لم تمسك القلب أضلعي

لطار أسىً من برج ذكراكم القلب

قضيتم وفي صدر الليالي وليجة

وما غيركم يستلّها، فلها هبّوا

سقاك الحيا أرض العراق ولا رقّت

جفون غوادية، وناحت بك السّحب

تضمنّت، لا ضمنت شراً لظالم

كواكب ليل الخطب إن حلك الخطب

بكيت وحيداً في رباك ولم أرد

مخافة واشٍ أن يساعدني الركب

فيا شرق حتى الحشر تربك فوقه

دليل لمن يدر ما فعل الغرب.

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً

  • أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي، المعروف بأبي الطيب الكندي الكوفي، وُلِد عام 915م وتوفي عام 965م، اشتهر في مدح الملوك، ومن قصائده التي تتحدث عن عزة النفس.

كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا

وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا

تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى

صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا

إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ

فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا

وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ

وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا

فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحياءُ من الطَّوَى

وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا

حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى

وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا

وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ

فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا

فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا

إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا

إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذَى

فَلا الحَمدُ مكسوباً وَلا المالُ باقِيَا

وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى

أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا

أقِلَّ اشتِياقاً أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا

رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا

خُلِقْتُ ألُوفاً لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى

لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا

وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْراً أزَرْتُهُ

حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا

وَجُرْداً مَدَدْنَا بَينَ آذانِهَا القَنَا

فَبِتْنَ خِفَافاً يَتّبِعْنَ العَوَالِيَا

تَمَاشَى بأيْدٍ كُلّمَا وَافَتِ الصَّفَا

نَقَشْنَ بهِ صَدرَ البُزَاةِ حَوَافِيَا

وَتَنْظُرُ من سُودٍ صَوَادِقَ في الدجى

يَرَينَ بَعيداتِ الشّخُوصِ كما هِيَا

وَتَنْصِبُ للجَرْسِ الخَفِيِّ سَوَامِعاً

يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضّمِير تَنَادِيَا

تُجاذِبُ فُرْسانَ الصّباحِ أعِنّةً

كأنّ على الأعناقِ منْهَا أفَاعِيَا

بعَزْمٍ يَسيرُ الجِسْمُ في السرْجِ راكباً

بهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجسْمِ ماشِيَا

قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ

وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا

فَجاءَتْ بِنا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ

وَخَلّتْ بَيَاضاً خَلْفَهَا وَمَآقِيَا

تجُوزُ عَلَيهَا المُحْسِنِينَ إلى الّذي

نَرَى عِندَهُمْ إحسانَهُ وَالأيادِيَا

فَتىً ما سَرَيْنَا في ظُهُورِ جُدودِنَا

إلى عَصْرِهِ إلاّ نُرَجّي التّلاقِيَا

تَرَفّعَ عَنْ عُونِ المَكَارِمِ قَدْرُهُ

فَمَا يَفعَلُ الفَعْلاتِ إلاّ عذارِيَا

يُبِيدُ عَدَاوَاتِ البُغَاةِ بلُطْفِهِ

فإنْ لم تَبِدْ منهُمْ أبَادَ الأعَادِيَا

أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقاً

إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا

لَقِيتُ المَرَوْرَى وَالشّنَاخيبَ دُونَهُ

وَجُبْتُ هَجيراً يَترُكُ المَاءَ صَادِيَا

أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه

وَكلَّ سحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا

يُدِلّ بمَعنىً وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ

وَقد جَمَعَ الرّحْمنُ فيكَ المَعَانِيَا

إذا كَسَبَ النّاسُ المَعَاليَ بالنّدَى

فإنّكَ تُعطي في نَداكَ المَعَالِيَا

وَغَيرُ كَثِيرٍ أنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ

فَيَرْجعَ مَلْكاً للعِرَاقَينِ وَالِيَا

فَقَدْ تَهَبُ الجَيشَ الذي جاءَ غازِياً

لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جاءَ عَافِيَا

وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ

يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا

وَمَا كُنتَ ممّن أدرَكَ المُلْكَ بالمُنى

وَلَكِنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النّوَاصِيَا

عِداكَ تَرَاهَا في البِلادِ مَساعِياً

وَأنْتَ تَرَاهَا في السّمَاءِ مَرَاقِيَا

لَبِسْتَ لهَا كُدْرَ العَجاجِ كأنّمَا

تَرَى غيرَ صافٍ أن ترَى الجوّ صَافِيَا

وَقُدتَ إلَيْها كلّ أجرَدَ سَابِحٍ

يؤدّيكَ غَضْبَاناً وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا

وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِراً

وَيَعصِي إذا استثنَيتَ أوْ صرْتَ ناهِيَا

وَأسْمَرَ ذي عِشرِينَ تَرْضَاه وَارِداً

وَيَرْضَاكَ في إيرادِهِ الخيلَ ساقِيَا

كَتائِبَ ما انفَكّتْ تجُوسُ عَمائِراً

من الأرْضِ قد جاسَتْ إلَيها فيافِيَا

غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ

سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا

وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً

وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا

إذا الهِنْدُ سَوّتْ بَينَ سَيفيْ كَرِيهَةٍ

فسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التّساوِيَا

وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ

فِدَى ابنِ أخي نَسلي وَنَفسي وَمالِيَا

مَدًى بَلّغَ الأستاذَ أقصَاهُ رَبُّهُ

وَنَفْسٌ لَهُ لم تَرْضَ إلاّ التّنَاهِيَا

دَعَتْهُ فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى

وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا

فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ

وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا

Published
Categorized as أقوال وحكم وعبارات