إنها تمتاز بحضور رزان خالٍ من الريبة،
فتصبح باهتةً أمام ضلالات الغافلين.
هي زوجة خير الناس ديناً ومنزلة،
نبي الهداية والمكرمات الفاضلة.
تنتمي إلى عائلة لؤي بن غالب،
ممن يسعوا للمجد بنبل وكرامة.
تهذبت أطرافها الأقدار،
وطهرها الله من كل سوء وباطل.
فإن كنت قد أطلقت ما يمكن أن يعد اتهاماً،
فلا ترفع سوطي إليّ أناملي.
وإن الذي قيل ليس مناسباً
لها في زمن قد عاصر أفواه العيب.
فكيف يمكن أن يُنسى ودّي ووقوفي
مع آل النبي، زينة المجالس.
له مقام رفيع بين الجميع،
تتضاءل القوات أمام عظمته.
رأيتك، عسى الله أن يغفر لك، حرة،
من المحصنات، لا تتسم بالعيوب.
عواذل ذات الخال فيّ هم حساد،
وضجيج المحبووبة يثيرني حتى أكون شديد الوطأة.
يدفع إلى عدم المساس بثوبها، وهو قادر،
ويعصي الهوى في طيفها رغم استسلامه.
متى سيمضي الشوق المتأجج في الأعماق،
محبّ لها يشتاق إلى قربها البعيد.
إذا كنت تخشى العار في انفرادك،
فلماذا تهيج أوجاع الحسان؟
ألقد شغفني الشوق حتى ألفته،
وقد ملّ طبيبي جانبي والعوائق.
مررت بديار الحبيب فاجتاحتني الأحاسيس،
وكم شجت الأصائل في المواعيد.
ولا تنكر الدهاء من رسم منزل
فهو قد شقه الأيادي الرقيقة.
هل همهم بما لديك في ليالي كأنها
تطاردني خارج كينونتي بينما ألاحقها.
وحيد بخلاني في كل بلدة،
إذا مرّ المطلوب قلت المساعدون قلائل.
تَنقّصني في غمرة بعد موجةٍ،
تَعب وعندها له آثار.
تثنى على قدر الوزن كأنما
مفاصله تحت الرماح مئات.
وأورد نفسي والمُهند بين يدي،
موارده لا تصلح لمن لا يجالد.
ومع ذلك، إذا لم يحمل القلب لفته،
فلم تعاني يد حقاً.
خليلي، إني لا أرى غير شاعر،
فلماذا النداءات والوصف من جهتي؟
فلا تعجبا، إذ أكثر السيوف هنا،
لكن سيف الدولة اليوم واحد.
له من طبع الجود في الحرب مضروب،
ومن شيم الإحسان والتسامح غامد.
ولما رأيت الناس تحت القاع،
تيقنت أن الدهر يناقض النوافذ.
أحق بالضرب من ضرب الطوال،
وبالأمن من هانت عليه المصائب.
وأكثر بلاد الله جرحها الروم،
بهذا وهي ضمن مجدك كالشاهد.
أرسلت مع الغزوات حتى تجلبها،
وجفن الذي خلف الفرنجة ساكد.
مخمطة والقوم صرعى كأنهم
وإن لم يكونوا ساجدين مساجد.
تنكسر فيهم والصواريخ المكايد،
وتضربهم هبراً وقد استقرت الكدس.
كما سكنت بطبيعة التراب المودعة.
وتُعطي الحصون المشمخرات في الذرى،
وخيولك في أعناقهن قلايد.
عصف بهم يوم اللقاء وسوقهم
حتى أبدوا بالسبل غزاة بمآثر.
وألحق بالصفر يوم الوجاهة،
وذاق الردى أهلك والجلامد.
وغلتسوا في الوادي بهنٍ مشيع،
مباركٌ ما تحت البركات الساجدة.
فتى يشتهى طول البلاد ووقته،
تضيق به أوقات المآسي.
أخو غزوات ما تغيب سيوفه،
إلا وسيرك بالمجرى جاحد.
فلَم يبقَ إلا من حماها من الهدى،
لمى شفتيها والثدي نوائد.
تبكي عليهن البطاريق في الظلام،
وهن لدينا ملقيات كواسد.
بذا قضت الأيام ما بين أهلها،
مصائب قوم عند قوم فوائد.
ومن شرف الإقدام أنك بينهم،
على القتل مزهراً كأنك شاكرد.
وأن دماً أجرته بك فخر،
وأن فؤاداً رُعته لك حامد.
وكل يرى طرق الشجاعة والنبل،
لكنه طبع النفس للنفس قائد.
نهبت من الأعمار ما لو حويته،
لأهنأت الدنيا بأنك خالد.
فأنت حسام الملك والله ضارب،
وأنت لواء الدين والله عاقد.
وأنت أبو الهيجا بن حمدان،
يا ابنه، تشابه مولود كريم ووالد.
وحمدان حمدون وحمدون حارث،
وحارث لقمان وللقمان راشد.
أولئك أنياب الخلافة كلها،
وسائر أملاد البلاد الزوائد.
أحبك يا شمس الزمان وبدره،
وإن لامني فيك السُقّط والأغلال.
وذاك لأن الفضل عندك باهر،
وليس لأن العيش عندك بارد.
فإن قليل الحب بالعقل صالح،
وإن كثير الحب بالجهل فاسد.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم،
وتأتي على قدر الكرام المكارم.
وتعظم في عين الصغير صغارها،
وتصغر في عين العظيم العظائم.
يُكلّف سيف الدولة الجيش همّه،
وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم.
ويطلب عند الناس ما عند نفسه،
وذلك ما لا تدعيه الضراغم.
يفدي أتم الطير عمراً سلاحه،
نسور الفلا أحداثها والقشاعم.
وما ضرها خلق بغير مخالب،
وقد خُلقت أسيافه والقوائم.
هل الحدث الحمر تعرف لونها،
وتعلم أي الساقيين الغمائم.
سقتها الغمام الغُر قَبل نزولها،
فلما دنا منها سقتها الجماجم.
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا،
وموج المنايا حولها متلاطم.
وكان بها مثل الجنون فأصبحت،
ومن جثث القتلى عليها تمائم.
طريدة دهر ساقها فرددتها،
على الدين بالخطي والدهر راغم.
تفيت الليالي كل شيء أخذته،
وهن لما يأخذن منك غوائل.
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً،
مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم.
وكيف ترجى الروم والروس هدمها،
وهذا الطعن أساسٌ لها ودعام.
وقد حاكموها والمنايا حاكمة،
فما مات مظلوم ولا عاش ظالم.
أتوك يجرّون الحديد كأنهم،
سروا بجِياد ما لهن قوائم.
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم،
ثيابهم من مثلها والعَمايم.
خميس بشرق الأرض والغرب زحف،
وفي أذن الجوزاء منه زمازم.
تجمع فيه كل لسن وأمة،
فما يفهم الحداث إلا التراجم.
فلله وقت ذوب الغشّ ناره،
فلم يبقَ إلا صارم أو ضارب.
تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا،
وفرّ من الفرس الذين لا يصادم.
وقفت وما في الموت شك لوَاقف،
كأنك في جفن الردى وهو نائم.
تمرّ بك الأبطال كلما هزيمة،
ووجهك وضّاح وثغرك باسم.
تجاوزت مقدار الشجاعة والنخوة،
إلى قول قوم أنت بالغيب عالم.
ضممت جناحيهم على القلب ضمة،
تموت الخوافي تحتها والقوادم.
بضرب أتى الهامات والنصر غائب،
وصار إلى اللبات والنصر قادم.
حقّرت الروسيات حتى طردتها،
وحتى كأن السيف للرمي شاتم.
ومن طلب الفتح الجليل فإنما،
مفاتيه البيض الخفاف الصوارم.
نثرتهم فوق الأُحيدب كله،
كما نثِرَت فوق العروس الدراهم.
تدوس بكَ الخيل الوكور على الذرى،
وقد كثرَت حول الوكور المطاعم.
تظن فراخ الفتخ أنك زرتها،
بأمّاتها وهي العتاق الصلادِم.
إذا زلق مشيتها ببطنها،
كما تتمشى في الصعيد الأراقم.
أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم،
قفه على الإقدام للوجه لائم.
أيُنكر ريح الليث حتى يذوقه،
وقد عرفت ريح اللّيُوث البهائم.
وقد فجعته بابنه وابن صهره،
وبالصهر حملات الأمير الغواشم.
مضى يشكر الأصحاب في فوحته،
لما شغلته هامهُم والمعاصم.
ويرى صوت المشرفية فيهم،
على أن أصوات السيوف أعاجم.
يسر بماذا أعطاك لا عن جهل،
ولكن مغنومًا قد نجا منك غانم.
ولست مليكاً هازماً لنظيره،
ولكنك التوحيد للشرك هازم.
تشرف عدنان به لا ربيعة،
وتفتخر الدنيا به لا العواصم.
لك الحمد في الدر الذي لي لفظه،
فإنك معطيه وإنّي ناظم.
وإنّي لتعدو بي عطاءاتك في الوغى،
فلا أنا مذموم ولا أنت نادم.
على كل طيار إليه برعله،
إذا وقعت في مِسمعي الغماغم.
ألا أيها السيف الذي ليس مغمداً،
ولا فيه مرتبٌ ولا منه عاصم.
هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلا،
وراجيك والإسلام أنك سالم.
ولمَ لا يقي الرحمن حدّيك ما وقى،
وتفليقك هام العدى بك دائم.
سلام البيان وفتيانه،
عليكم معاشر أعوانه،
لأنتم مؤمل ملهوفه،
وأنتم مؤمن فزعانه.
ولولا بقية أمثالكم،
لضاعت بقية قحطانه.
ففي الشرق باغٍ على حقه،
وشانٍ يغير على شانه.
أصيب البيان بما راعه،
وهز رواسخ أركانه.
بكل دخيل على ثوبه،
تغلغل داخل قمصانه.
فعاث ببهجة منثوره،
وفك قلائد عقيانه.
وأطمع بأقل من مجده،
بإرث سلالة سحبانه.
فبات يثغثغ في داره،
دعي المّ بديوانه.
وحل الغراب على روضه،
محل الحمامة من بانه.
أرى الشرق يمنع عيني ترى،
أديباً عزيزاً بأحضانه.
أراه يهيم بطاغوته،
ويزري بعترة لقمانه.
ويشقى الصحافي في أرضه،
لينعم كسرى بإيوانه.
ويولي المشانق أعناقنا،
فدى للأمير وتيجانه.
ويغذي المنايا بأكبادنا،
لتسلم مهجة سلطانه.
تعدى وصية إنجيله،
وخالف آية قرآنه.
فهذا يضج على شيخه،
وذاك يصيح بمطرانه.
هو الشرق يكرم عُماته،
ويرعى قلانس رهبانه.
ألا أيها الحبر الهمام الذي غدا،
على تونس الخضراء قد أشرق السنا.
ومن قد غدت بين الأنام دروسه،
تنم على علياه بالحمد والثنا.
فكم كتب تبدا وتختمها وكم،
ترى نكتا تبدي بها وتفننا.
إلى أن بدأت الكنز فابشر فإن من،
هنالك قد جاء الغناء ومن هنا.
كأن لسان الحظ قال لك انتبه،
وأرخ ببدء الكنز مبدؤك الغنى.
سقى الله بستان الزبير ودام في
مجاريه سيل النهر ما غنت الورق.
فكانت لنا من نعمة في جنابه،
كبزته الخضراء طالعها طلق.
هو الموضع الزاهي على كل موضع،
أما ظله ضاف أما ماؤه دفق.
أهيم به في حالة القرب والنوى،
وحق له مني التذكر والعشق.
ومن ذلك النهر الخفوق فؤاده،
بقلبي ما غيبت عن وجهه خفق.
أيا ابن زهير لست أعطيك بعدها،
سلاماً ووداً والمكان رحيب.
لقد كنت قبل اليوم أحسب أنك الهمام،
إلى سبل النجاح تصوب.
إلى أن بدا لي منك ما لو رأيته،
من الطفل قبل اليوم فلت عجيب.
لقد جاءني النجل السعيد ابنك الذي،
شمائله بين الأنام تطيب.
فقام مقامي شاكياً منك شدة،
ومنعاً من الآداب وهو خطيب.
فما زال بين القوم يبدي تأسفاً،
على العلم حتى قد علاه نحيب.
قيس أخا الود ما هذا الملام،
وأنت لم تكن عالماً بالأمر وهو غريب.
أتزعم أن ابني شكاني وأنه،
ظلوم يجوب الزور حيث يجوب.
غلا قوله بغياً فاني وضعته،
بمدرسة عامين وهو نجيب.
فأدرك من علم الحساب فوائد،
وعاد بحسن الخط وهو أريب.
فأخرجته من بعد ذاك وأن لي،
بفعلي عذراً والإله رقيب.
فان لمني بعد الذي قد ذكرته،
فما لك في هذا الملام مصيب.
أحدث التعليقات