يقول الغزالي: “العلم إذا لم تُقدّم له كلّ ما لديك، فلن يُقدّم لك شيئاً.” فالرسالة العلمية تُعتبر جوهر وتأسيس لنهضة الحضارات وتقدّمها، وقد أكّد الإسلام على ذلك. وأكبر دليل على أهمية العلم في ديننا هو نزول أول آية من القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ”. في هذا المقال، نقدم لكم مجموعة من الأشعار الجميلة التي تتغنّى بالعلم.
عقول أناس كُن بالأمس غافلين،
غذّاهم فيض العلم من نور شعاعه،
جَلّت عنهم ظلمة الجهل وحلت بالمجد.
تخيّرت من الليل أرقى عقوده،
أروع درر لا تشبه الأخرى،
هدية تحي القلوب التي سطرت شعري.
أبعد الخير على أهل الكسل،
واحتفل بالفقه في الدين، ولا
تنشغل بمالٍ وصحبة متاع.
واهجر النوم، واجمعه، فمن عرف
المطلوب، صغيرة الاحتقار لما بذل.
لا تقل: “قد انقطع العلم”،
فكل من سلك الطريق وصل.
ففي ازدياد العلم ضرب للعدو،
وجمال العلم رقعة للعمل.
أحسن الكلام بنحو، فمن
يحرم الإعراب بالنطق اختل.
انضم لصفوف الشعر، تابع مذهبي،
في نفي الرغبة، لا تسع للخصام.
فهو عنوان للفضل وبلاد،
وما أحسن الشعر إذا لم يُحتقر.
مات أهل الفضل، واستمر الدهر،
لم يبق سوى من هو في ضياع.
وليست أخو العِلم كمن هو جاهل.
وإن كبير القوم لا يعلم،
صغير حين تلتف حوله الجحافل.
وإن صغير القوم إذا علم،
كبيرٌ يُحال إليه في المحافل.
ولا رقي دون العلم للأمم.
يا من دعاهم فلبّت عوارفهم،
لجودكم منه شكر الروض للعالم.
لتحظى البذور إن حسنت مقاصدهم،
بالباقيات من الآلاء والنعم.
فإن وجدت كرما في غير مدح،
فقد تكون أداة الموت في الكرم.
معاهد العلم من يكرمها،
يبني مدارج للمستقبل الراحل.
أن السعيد الذي ينجو من النيران.
واطلبوا الحكمة عند الحكماء.
فخله ثم عاود لينفتحا.
كترك المريض بلا علاج ولا دواء.
فليس لها حتى القيامة ناقص.
تنام بأمان أمة مليئة بالنور،
يأمنلها العلم، إن لم يسهر السيف.
أحُضُّ على العلم، احضوا،
يا قوم، فالعلم فريضة.
وهل تتم نهضة لشعبٍ،
قد أغفل العلم بمرور الوقت؟
فجر لأهله خير كثير.
وما إن فاز أكثرنا بعلوم،
ولكن فاز أسلمنا ضميراً.
وليس الغنى إلا غنى العلم،
إنه نور الفتى يجلو ظلام افتقاره.
واطلبها، ولا تخجل أن تسأل.
إذا كنت في الإعطاء مالاً فضلاً،
فإنك في إعطائك العلم أفضل.
عن أن يضيء النفوس المكسرة؟
عكست نتائجه فأصبح هدياً،
غالباً وأصبح صفوه متكدرًا.
على الهُدى لمن استهدى دليلاً.
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه،
والجاهلون لأهل العلم أعداءٌ.
قم بعلم ولا تطلب به بدلاً،
فالناس موتى وأهل العلم أحياء.
العلم زين، فكن للعلم مكتسباً،
وكن له طالباً ما عشت مقتبسا.
اركن إليه، وثق، واغنِ به،
وكن حليماً رزين العقل محترا.
لا تأثمن إن كنت منهمكاً،
في العلم يوماً أو كنت منغمسا.
وكن فتىً ماسكاً محض التقى ورعاً،
للدين منغمساً للعلم مفترسا.
وَكُنْ له طالباً ما عشْتَ مُقْتَبِساً.
اركن إليه، وثق بالله، واغنِ به،
وكن حليماً رزين العقل محترا.
وَكُنْ فتىً ماسكاً محض التقوى،
ورعاً للدين مغتنماً للعلم مفترا.
فمن يتخلق بالآداب ظل بها،
رئيس قومٍ إذا ما فارق الرؤساء.
وغص فيه لاستخراج لؤلؤه الرطب.
فما يسوى العلم ارتقى فاضلٌ إلى
مغاني المعالي وانثنى عالي الكعب.
هو العلم للدنيا جمال ورفعة،
وللدين منجاة من الريب في الرب.
وخير علوم الدين تفسير وحيه،
تعالى وأخبار المنزّه عن عيب.
هو الضامن الفوز المبين لأهله،
فبذل المساعي فيه محمودة الغب.
ولا بد للمرتاد وصل حسانه،
لدى البحث من تذليل معضلة الصعب.
ودونك سفراً موضحاً لغريبه،
إذا غشيت رواده حيرة الضب.
ولو ولدته آباء لئام.
وليس يزال يرفعه إلى أن
يُعظّم أمره القوم الكرام.
ويتبعونه في كل حال،
كراعي الضأن تتبعه السوام.
فلولا العلم ما سعدت رجال،
ولا عرف الحلال ولا الحرام.
من جميل القصائد التي قيلت في العلم، اخترنا لكم ما يأتي:
محمود سامي البارودي
بقوة العلم تقوى شوكة الأمم،
فالْحكمُ في الدهر منسوب إلى القلم،
كم بين ما تلفظ الأسياف من علقٍ،
وبين ما تنفث الأقلام من حكم.
لو أنصفت الناس كان الفضل بينهم،
بقطرةٍ من مدادٍ، لا بسفك دم.
فاعكف على العلم، تبلغ شأو منزلةٍ،
في الفضل محفوفة بالعز والكرم.
فليس يجنى ثمار الفوز يانعةً،
من جنة العلم إلا صادق الهمم.
لو لم يكن في المساعي ما يبين به،
سبق الرجال، تساوى الناس في القيم.
وللفتى مهلة في الدهر إن ذهبت،
أووقاتُهَا عبثاً، لم يخلو من ندم.
لو لا مداولة الأفكار ما ظهرت،
خزائن الأرض بين السهل والعلم.
كم أمة درست أشباحها وسارت،
أرواحها بيننا في عالم الكلم.
فانظر إلى الهرمين الماثلين تجد،
غرائباً لا تراها النفس في الحلم.
صرحان، ما دارت الأفلاك منذ جرت،
على نظيرهما في الشكل والعظم.
تضمنت حكما بادت مصادرها،
لكنها بقيت نقشاً على رضم.
قوم طوتهم يد الأيام فاتقرضوا،
وذكرهم لم يزل حياً على القدم.
فكم بها صور كادت تخاطبنا،
جهراً بغير لسان ناطق وفم.
تتلو لـ”هرمس” آيات تدل على،
فضل عظيم، ومجد باذخ القدم.
آيات فخر، تجلى نورها فغدت،
مذكورةً بلسان العرب والعجم.
ولاح بينهما “بلهيب” متجهاً،
للشرق، يلحظ مجرى النيل من أمم.
كأنه رابض للوثب، منتظرٌ،
فريسةً فهو يرعاها، ولم ينم.
رمز يدل على أن العلوم إذا،
عمت بمصر نزلت من وهْدة العدم.
فاستيقظوا يا بني الأوطان وانتصبوا،
للعلم؛ فهو مدار العدل في الأمم.
ولا تظنوا نماء المال، وانتسبوا،
فالعلم أفضل ما يحويه ذو نسَم.
فرب ذي ثروة بالجهل محتقر،
ورب ذي خلة بالعلم محترم.
شيدوا المدارسَ فهي الغرس، إن بسقت،
أفنانها أثمرت غضاً من النعم.
مغنى علوم، ترى الأبناء عاكفة،
على الدروس به، كالطير في الحرم.
من كل كهِل الحجا في سن عشرة،
يكاد منطقه ينهل بالحكم.
كأنها فلكٌ لاحت به شهب،
تغني برونقها عن أنجم الظلم.
يجنون من كل علم زهرة عبقت،
بنفحةٍ تبعث الأرواح في الرمم.
فكم ترى بينهم من شاعر لسِن،
أو كاتب فطين، أو حاسب فهم.
ونابغ نال من علم الحقوق بها،
ميزةً ألبسته خلعَةَ الحكم.
ولج هندسةٍ تجري بحكمته،
جداول الماء في حالٍ من الأكم.
بل، كم خطيبٍ شفى نفساً بموعظة،
وكم طبيبٍ شفى جسماً من السقم.
مؤدبون بآداب الملوك، فلا،
تلقى بهم غير عالي القدر محتشم.
قوم بهم تصلح الدنيا إذا فسد،
ويفرق العدل بين الذئب والغنم.
وكيف يثبت ركن العدل في بلدٍ،
لم ينتصب بينها للعلم من علم؟
ما صور الله للأبدان أفئدة،
إلا ليرفع أهل الجد والفهم.
وأسعد الناس من أفضى إلى أمدٍ،
في الفضل، وامتاز بالعالي من الشيم.
لو لا الفضيلة لم يخلد لذي أدبٍ،
ذكر على الدهر بعد الموت والعدم.
فلينظر المرء فيما قدمت يداه،
قبل المعاد، فإن العمر لم يدُم.
حافظ إبراهيم
حيّاكم الله أحيوا العلم والأدب،
إن تنشروا العلم ينتشر فيكم العِرب.
ولا حياة لكم إلا بجامعة،
تكون أما لطلاب العلا وأبا.
تبني الرجال وتبني كل شاهقة،
من المعالي وتبني العز والغلب.
ضعوا القلوب أساسا لا أقول لكم،
ضعوا النضار فإنّي أصغر الذهب.
وابنوا بأكبادكم سوراً لها ودعوا،
قيل العدو فإنّي أعرف السبب.
لا تقنطوا إن قرأتم ما يزوقه،
ذاك العميد ويَرميكم به غضباً.
وراقبوا يومَ لا تُغني حصائده،
فكل حيٍ سيُجزى بالذي اكتسبا.
بنى على الإفك أبراجاً مشيّدة،
فابنوا على الحق برجاً ينطح الشهب.
وجاوبوه بفعلٍ لا يُقوضه،
قول المُفنّد أنّى قال أو خطبا.
لا تهجعوا إنهم لن يهدأوا أبداً،
وطالبوهُمْ ولكن اجملوا الطلبا.
هل جاءكم نبأ القوم الذين درجوا،
وخلفوا للورى من ذكراهم عجبا.
عزّت بقُرطاجة الأَمراس فارتُهنت،
فيها السفين وأمسى حبلها اضطرابا.
والحرب في لَهَبٍ والقوم في
حربٍ قد مدّ نَقعُ المنايا فوقهم طُنبا.
ودّوا بها وجواريهم معطلة،
لو إن أهدابهم كانت لها سببا.
هُناكِ الغيد جادت بالذي بخِلَت،
به دلالاً فقامَت بالذي وجبا.
جزّت غدائر شعر سرّحت سفناً،
واستنكذ وطنًا واسترجعت نشبا.
رأت حلاها على الأوطان فابتَهَجَت،
ولم تحسر على الحلي الذي ذهبا.
وزادها ذاك حُسناً وهي عاطلة،
تُزْهي على من مشى للحرب أو ركبا.
وبرثان الذي حاك الإباء له،
ثوباً من الفخر أبلى الدهر والحقيبا.
أقام في الأسر حيناً ثم قيل له،
ألم يئن أن تفدي المجد والحسابا.
قل واحتكم أنت مختار ف قال لهم،
إنا رجال نهين المال والنشبا.
خذوا القناطير من تبرٍ مقنطرً،
يخور خازنكم في عدها تعباً.
قالوا حكمت بما لا تستطيع له،
حملاً، نكاد نرى ما قلته لعباً.
فقال واللَّه ما في الحي غازلةٌ،
من الحسان ترى في فديتي نصبا.
لو أنهم كلّفوها بيع مغزلها،
لآثرتني وصحّت قوتها رغبا.
هذا هو الأثر الباقي فلا تقفوا،
عند الكلام إذا حاولتم أَرَبا.
ودونكم مثلاً أوشكت أضرِبُه،
فيكم وفي مصر إن صدقاً وإن كذبا.
سمعت أن امرءاً قد كان يألفه،
كلبُ فَعاشا على الإخلاص واصطحبا.
فمر يوماً به والجوع ينهبه،
نهبًا فلم يُبقِ إلا الجلد والعصبا.
فظلّ يبكي عليه حين أُبصَره،
يزول ضعفاً ويقضي نَحبَه سغبا.
يبكي عليه وفي يمناه رغيفٌ،
لو شامها جائعٌ من فرسخٍ وثبا.
فقال قومٌ وقد رقوا لذي ألمٍ،
يبكي وذي ألمٍ يستقبل العطبا.
ما خطبُ ذا الكلبِ قال الجوعُ يخطفه،
مني وينشب فيه النابَ مغتسبا.
قالوا وقد أبصروا الرغفان زاهيةً،
هذا الدواء فهل عالجته فأبى.
أجابه ودواعي الشح قد ضربت،
بين الصديقين من فرط القلى حجبا.
لذلك الحد لم تبلُغ مودّتنا،
أما كفى أن يراني اليوم مُنتَحبا.
هذه دموعي على الخدّين جاريّةٍ،
حُزناً وهذا فؤادي يرتعي لهبا.
أقسمت باللَّه إن كانت مودتنا،
كصاحب الكلب ساء الأمر مُنقَلِبا.
أعيذكم أن تكونوا مثلَه فنرى،
منكم بكاءً ولا نلفي لكم دأبا.
إن تُقرِضوا اللّه في أوطانكم فلكم،
أجر المجاهد طوبى للذي اكتتبا.
أحدث التعليقات