يا بعيد، جابك الله.. حتى وصلت إليّ
لم أتمنَّك لأنك كنت بعيدًا عن مخيلتي. لم يكن يخطر على بالي أبدًا أنني سأكون قادرًا على الوصول إليك. كنت أراك كنجمٍ ساطع في السماء، عاليًا وبعيدًا. يا بعيد، جابك الله.. حتى وصلت إليّ
جئتني مثل شروق الشمس الذي يزيل عتمة الليالي. جئت فرحةً للذين أنهكتهم همومهم. جئتني ومن حولك مئات المحبين بدلاً مني، سخر لك سبحانه الذي جعلك في عيوني ملكًا. يا بعيد، جابك الله.. حتى وصلت إليّ
هل حقًا نحن التقينا؟ هل أنت فعلاً قبالي؟ هل أستطيع أن أعتبر نفسي حبيبك؟ هل لي الحق في سؤالك؟ كأنني أحلم، طلبتك.. دعني أعيش في خيالي، دعني أستمر في هذا الحلم الذي يجمعني بك. يا بعيد، جابك الله.. حتى وصلت إليّ
قلبي مليء بالحب، وغير قلبي لا يحمل شيئًا. أهدني قلبك، حبيبي، دعني أعيش في حبك. يا بعيد، جابك الله.. حتى وصلت إليّ
بدر بن عبد المحسن هو الابن الثاني للأمير عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، ووالدته هي الأميرة وضحى الحمود الفيصل الحمود الرشيد. يُعتبر بدر شاعراً شهيراً على الساحة الأدبية في السعودية والعالم العربي، وهو أحد رواد الحداثة الشعرية في الجزيرة العربية. يُلقب بـ”مهندس الكلمة” بفضل جهوده في تقديم نصوص أدبية ذات مستوى رفيع للمملكة والعالم العربي. لديه العديد من القصائد المميزة، منها:
في آخر الصفحة.. يسار.. خبر صغير.. حادث قطار.. ثلاثة حالات وفاة. مكتوب في السطر الأخير، أن التفاصيل الكاملة في الصفحة العشرين. على الثرى، وبين الورق.. أجسادهم متشظية.. الأربعة، لم يعد لديهم مكان في المساحة. وفي باقي الصفحة صور.. فنان، حصان، وكرات.. أبحث عن الخبر الحزين في نهاية الصفحة، يمين.. حادث قطار.. ثلاثة موتى وطفل.. باختصار شديد.. كان القطار هو الوحيد المسجل.. بلا ملامح أو أسماء.. لماذا نموت جميعًا؟ لماذا نهمل الجثة ونتذكر التابوت؟ لأقدامنا صوت.. من يسمعه؟ من يسمع الأقدام.. هم مروا من تحت الكلام.. الأربعة.. وصاروا أرقامًا.. أرقامًا..
أنا رقم، أُحدّق في الظلام.. المشكلة أن هناك الكثير مثلي.. يجمعنا حب الهوية.. أحلامنا.. نصير.. وقاماتنا متساوية.. نركض على ورق الحياة حتى ننمحي.. المشكلة أننا لا نستحي.. نمرّ.. لم يرنا إنسان، ولا سمعنا صوت إنسان.. اكتبني يا نسيان..
أنا رقم..
عندما أفكر في مسامحتك.. تبكي الجراح ولا ترغب في ذلك.. أشتاق وأود أن أصافحك.. لكن يدي عجزت عن مدها.. آه يا لجراح.. رحل من رحل.. ومن سيرد إليّ راحتي.. يا حب.. يا ذكرى واسم.. لا أدري هل أبكي عليك من العذاب أم أبتسم.. صدقني في يأسـي.. نفسي تحتاج إليك.. دفا شمسي، بحاجة إليك.. لماذا خنتني.. الله عليك.. آه يا الجراح.. رحل من رحل.. من سيرد إليّ راحتي.. لا تحاكي عيوني.. يمطر سحاب الملح.. ولا تلمس أشجوني.. يُنبتُ في قلبي جرحًا.. انظر إليّ يا حبيبي.. جرح أنا كلي.. كيف أرضى بالصلح.. فصل الخريف في حبي.. حزن وورق أصفر.. ودّعني يا قلبي.. واطلب أن يطول العذاب.. آه يا الجراح.. رحل من رحل.. من سيرد إليّ راحتي..
ادفن يدي تحت الثرى.. واسقِها من جفني رقيق.. يذبل ما بين أصابعي.. عشب وورق.. ادفن يدي فوق الثرى.. يلفها برد وسموم.. وأحس بعروقي تجف.. ولن تصل عروقي إلى الثرى.. ولا تشرب عروقي النجوم. وينبت على جفني سهاد.. يذبل وراء صدري الشجن.. أشق أوراق الزمن.. وأنام.. في حلقي الليلة جفاف.. شربت أيامي ومضت.. واللي بقى جرحي الوفي.. في خاطري باب يرد.. وسراج يكاد ينطفئ.. أغطي الظلمة بظلام.. كلما شديت أصابعي على العيون المتعبة.. جرحٍ ينام.. وجرحٍ شعر بي وانتبه.. قام وتبعني إلى شرفة ظلمة بعيدة.. جاءني يقاسمني السهاد.. جاءني قصيد.. ادفن يدي تحت الثرى.. فوق الثرى.. وأعيش أنا ببقية يدي.. نصف يموت.. ونصف يدرك أنه يموت.. يا سيدي.. ربي أنا نقطة في بحر.. علمني كيف أهوى الحياة.. علمني كيف أهوى القدر.. علمني بإيماني أكون.. يا رب.. أكثر من بشر..
استبد.. استبد أحيانًا، أستمد هذا الظلم من ألمي. أتحد من رأسي إلى قدمي.. واضرب بعواصفي وزلزالي.. واهدم الناس.. واهدم حالي.. لأسترد بعض أثوابي من الريح.. ولحمي من الشوك.. وابتعد.. ابتعد. وأحيانًا لا أملك العواصف.. ولا الزلزال.. ولا حتى في الهجير ظلال. لكن استبد.. استبد بما عندي.. اضرب بيدي في الهوى.. وأعلى جبيني في الصخر.. حتى أتعب.. وأتعب.. وأنهمد.. مثل طفلٍ أنهكه البكاء والسهر.. وأنتِ آخر ما أعد في عمري وأجمل ما أعد. عشقي ظلم الغصون الخضر للحطاب.. والجلد للأنياب.. والجفن للسكين. عشقي هذا الظالم المسكين.. واسمحي لي أن أنصهر في الشمس.. أو ارتعد في البرد.. لكن استبد.. واسترد أثوابي من الريح.. ولحمي من الشوك.. وابتعد.. ابتعد.
أحدث التعليقات