تُعَدّ الهجرة النبوية خطوة مفصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية، حيث لم يكن الطريق نحو نشر الرسالة ميسرًا. واجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وأصحابه تحديات جسيمة بسبب المقاومة القوية والعداء الشديد من قريش في مكة المكرمة. وقد ذكر ورقة بن نوفل للنبي منذ اللحظة الأولى التي نزل فيها الوحي أنه سيضطر لترك وطنه والهجرة، وهو ما أُخبر به الأنبياء في السابق. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب وراء الهجرة النبوية، فتابعوا معنا.
ورقة بن نوفل، ابن عم السيدة خديجة، كان من الأحبار المتخصصين في علم اللاهوت والدين المسيحي. بعد نزول الوحي على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، توجهت مع السيدة خديجة رضي الله عنها لزيارة ورقة بن نوفل ليخبروه بما حدث في غار حراء. وقد قال ورقة للنبي الكريم:
“هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى، يا ليتني كنت حياً في تلك الأيام، ليتني كنت معك عندما يخرجك قومك.”، فأجابه النبي: “أومخرجي هم؟” قال: “نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثل ما جئتَ به إلا وعُودِي، وإن أدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.” لكن ورقة لم يمكث طويلاً حتى توفي.
وقد ورد ذلك في مسند أحمد (53/43) وصحيح البخاري (7/1).
حينها أدرك النبي أن الطريق نحو نشر الدعوة محفوف بالمخاطر، وأن عليه اتخاذ خطوات جادة لتوجيه الناس من الظلمات إلى النور.
كان المجتمع القرشي يميل نحو التعددية الدينية، حيث انتشرت عبادة العديد من الآلهة مثل اللات والعزى ومناة وعشتار، بينما كان الله الواحد، سبحانه وتعالى، يُنظر إليه كأحد الآلهة البعيدة.
حاول النبي الكريم إرشاد قومه إلى ترك عبادة الأوثان والاعتناق بدين الله الحق الذي يعبد الواحد الأحد. لكن قريش قابلت تلك الدعوة برفض قاطع، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من الناس في موسم الحج، حيث كان من المتوقع أن تؤثر التغيرات على روحانية الحج والتجارة المرتبطة به.
استمر النبي عليه الصلاة والسلام في جهوده لإقناع أهل مكة بدخول دين الله، لكن الأعداد التي استجابت كانت محدودة. لذا، أدرك النبي أنه بحاجة الى الانتقال من مكة إلى المدينة لتوسيع دعوته.
خلال فترة الحج، قابل النبي عدداً من سكان يثرب (المدينة المنورة) الذين كانوا من قبيلة الخزرج. هداهم الله للإيمان وبايعوا النبي على الإسلام، مما أسهم في نشر الدعوة في المدينة بشكل ملحوظ.
في السنة التالية، جاء إلى مكة اثنا عشر رجلاً من الأوس والخزرج وبايعوا النبي عند العقبة بيعة النساء. قام النبي بإرسال أحد صحابته، ابن أم مكتوم، لتنظيم الدعوة في المدينة.
كانت المدينة المنورة جاهزة لاستقبال النبي ورسالة الإسلام، في حين كانت مكة قد أبدت أشد أنواع العداء للنبي وصحابته.
واجه النبي الكريم وصحابته أنواع العذاب والمضايقات من أهل مكة، حيث أرادوا تدمير نور الدعوة وقمع من اتبعها. تعرض النبي للكثير من الإساءة والاتهامات التي شملت اعتباره شاعراً أو مجنوناً.
عندما أبلغ النبي قريش برسالته، كانت تلك أول مواجهة صادمة. جمع كبار أهل مكة ليخبرهم: “أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً بالوادي ترغب في الهجوم عليكم، هل كنتم مصدقيني؟” وأجابوه بالإيجاب، ثم أعلن عن نبأ عذاب شديد قادم، مما أثار استفزازهم.
بمرور الوقت، تفاقم العداء ضد النبي، وتعرض للعديد من المضايقات، بما في ذلك موقف شهير مع عُقبة بن أبي معيط، الذي حاول خنق النبي أثناء صلاته.
استمر الأذى ليشمل أتباعه، ومن بين أسر معينة عانت بشكل خاص كانت أسرة ياسر، بالإضافة إلى صبر بلال مؤذن النبي على التعذيب، حيث تُعد سميَّة، أم عمّار، هو أول شهيد في الإسلام.
إن نشر الدعوة يتطلب غالباً الانتقال من مكان إلى آخر، وهناك العديد من الأنبياء، بما في ذلك نوح، لوط وموسى، الذين هاجروا من أوطانهم لأسباب مشابهة. إن الهجرة تُعَد جزءاً من ثقافة الأنبياء في السعي نحو تحقيق رسالتهم.
أحدث التعليقات