الجرح في اللغة يعني التأثير على السلامة الجسدية باستخدام أداة حادة، مما يؤدي إلى إحداث أذى أو شق. أما في مجال علم الحديث، فإنه يعبر عن صفة تتعلق بالرواة، تُسلب بها عدالتهم، مما يعني فقدانهم للمصداقية ويؤثر على دقة رواياتهم. من جهة أخرى، التعديل يعني تقييم وتصحيح الأمور. وفي سياق الحديث، تشير هذه الكلمة إلى الصفات التي تخول الرواة القبول والتأثير الإيجابي على الرواية. لذا، فإن علم الجرح والتعديل يُمثل مجالًا متخصصًا حيث يقوم علماء الحديث بتحليل وتقييم الرواة من حيث موثوقيتهم، بغرض حماية السنة النبوية والدفاع عن الشريعة من أي تشوه.
لقد حث صحابة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- على توخي الحذر عند نقل الأحاديث، مشددين على ضرورة الاعتماد على رواة يتمتعون بموثوقية في دينهم وقدرتهم على حفظ الحديث. والموثوقية هنا تعني أن الراوي يجب أن يكون عادلًا ومؤهلاً بشكل مناسب. غير أن بروز الفرق المختلفة وأصحاب البدع بعد عصر الصحابة أدى إلى ظهور الشكوك حول صحة الروايات، إذ بدأ بعض الأفراد بتصنيع أحاديث لدعم توجهاتهم الخاصة. في السابق، لم يكن علماء الحديث يسألون عن الأسانيد، إلا أنه مع انتشار الفتن، أصبحوا يتأكدون من أحوال الرواة، حيث كانوا يميزون بين رواة السنة وأهل الأهواء. كما قال ابن سيرين: “لم يكونوا يُسألون عن الإسناد، ولكن لما ظهرت الفتن قلنا لهم: سمّوا رجالكم”. وهذه القاعدة انتشرت بين العامة: “إن أحاديث النبي دين، فاحذروا ممن تأخذون دينكم”.
حدد العلماء مجموعة من الشروط اللازمة في الجارح والمعدِّل لضمان صحة وتوازن حكمهم على رواة الحديث. وتأتي هذه الشروط على النحو التالي:
تعتبر كتب الرجال أحد المصادر الأساسية لفهم حال الراوي من حيث الجرح والتعديل، وهي تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية:
أحدث التعليقات