تُعد سورة الكهف من السور المكية، ويبلغ عدد آياتها مائة وعشر آيات، وقد سُميت بذلك تميزًا لاحتوائها على قصة أصحاب الكهف بشكل مُفصل. وأما عن أسباب نزول السورة، فإنه ارتبط بقصة النضر بن الحارث، الذي كان معروفًا بترحاله ومعرفته بحضارات الأمم، وكان من المُعاندين للرسول -عليه الصلاة والسلام-، حيث كان يسيء إليه بكلماته ويهز من دعوته.
كان النضر يُخبر أبناء قريش بأن محمدًا -عليه الصلاة والسلام-، قبل أن يُظهر دعوته، كان يُعرف عنه الصدق والأمانة، وكان يُعتبر من أفضل رجال قريش. ولكن عندما ادعى النبوة، اتُهِم بأنه شاعر أو ساحر أو كاهن أو مجنون، رغم أنهم قد سمعوا أنواعًا رائعة من الشعر والكلام الكهنوتي من قبل ولم يجدوا بما جاء به محمد أي علامات تدل على الجنون أو السحر.
ثم اقترح النضر على قريش أن يستطلعوا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرسلوا إلى أحبار اليهود في المدينة، قائلًا لهم بأنهم أعلم بأمور الأنبياء. وبالفعل، أرسلت قريش النضر وعقبة بن أبي معيط إلى يهود المدينة، ليكتشفوا حقائق تتعلق بالنبي.
قال لهم أحبار اليهود: “اسألوه عن ثلاث قضايا: ما الذي حدث مع الفتية الذين هربوا في العصور الماضية؟ وما أخبار الرجل الطواف الذي ارتاد الآفاق؟ وما هي الروح؟ فإذا أجاب عليها، فهو نبي فاتبعوه.”
عندما عادوا إلى مكة، أخبروهم بأنهم قد عادوا بما يوضح لهم الأمر. وقالوا لقريش إنه ينبغي عليهم طرح الأسئلة الثلاثة على محمد -عليه الصلاة والسلام- وأنه إذا أجاب، فهو نبي، وإن لم يفعل فهو كاذب. وعندما سألوا النبي، قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: “سأخبركم بما سألتم عنه غدًا”، ولكنه لم يذكر “إن شاء الله”، فتركوه.
بعد ثلاثة أيام، شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحزن شديد نتيجة لما قاله الناس عنه في مكة، وكان تأخره في الرد بمثابة عتاب له؛ لأنه لم يقل “إن شاء الله”. هنا، أنزل الله -تعالى- الآية: (وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا* إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ وَاذكُر رَبَّكَ إِذا نَسيتَ وَقُل عَسى أَن يَهدِيَنِ رَبّي لِأَقرَبَ مِن هـذا رَشَدًا).
ثم جاءه جبريل -عليه السلام-، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الأسئلة الثلاثة، فقال جبريل: “هذه هي الإجابات التي أتيتك بها”، وكانت كما يلي:
(أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحابَ الكَهفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِن آياتِنا عَجَبًا* إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ) إلى (وَاتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دونِهِ مُلتَحَدًا).
(وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا* إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا) إلى (قالَ هـذا رَحمَةٌ مِن رَبّي فَإِذا جاءَ وَعدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعدُ رَبّي حَقًّا).
(وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا).
تعتبر هذه السورة كهفًا لكل من يحفظها، حيث توفر الحماية من الفتن بإذن الله، ومن هذه الفوائد:
فهي تشكل ملاذًا من فتنة المسيح الدجال، حيث إن أول ما يطرحه الدجال هو فتنة العقيدة.
وتمثل ذلك عبر قصة سيدنا موسى مع الخضر -عليهما الصلاة والسلام-، وكذلك قصة ذي القرنين؛ وهما مثالان للفتن التي تتطلب التواضع والرحمة والعدل، مما يعزز خشية الله -تعالى- لديهم.
أحدث التعليقات