أساليب التعبير الإنشائي في اللغة العربية

الأسلوب الإنشائي في اللغة العربية

يعرف العلماء النحويون الكلام بتعريفات متعددة، من أبرزها القول بأنه “اللفظ المركب، المفيد بالوضع، المقصود بذاته”. يشير هذا التعريف إلى ضرورة الالتزام بالشروط والأحكام اللازمة في بناء الكلام. وفي السياق الاصطلاحي، يظهر الكلام في أشكال متعددة، بما في ذلك الجمل الخبريّة والإنشائيّة. يتم تقسيم الكلام استنادًا إلى هذه الجمل إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي: الخبر، الطلب، والإنشاء. حيث إن أي كلام يمكن أن يقبل الصدق أو الكذب يتم اعتباره خبرًا، مثل: “إن السماء صافية”. أما الطلب فهو الكلام الذي لا يمكن أن يُحكم عليه بالصدق أو الكذب ويكون معناه مؤخرًا عن لفظه، مثل قولنا: “احفظ كتابك”. إذا كان المعنى موجودًا مع وجود اللفظ، فهو إنشائي، كقولنا: “رهنت لك”.

أما الإنشاء، فيعرف في اللغة بأنه يعني الإيجاد، وفي الاصطلاح هو “كلام لا يحتمل صدقًا ولا كذبًا بذاته”، كما في التعبير: “سامح واغفر”. يعني أيضًا أنه لا يتحقق مضمونه إلا إذا تم اللفظ به، حيث يأتي الطلب من الفعل مثل: “افعل”، أو كف الإتيان من “لا تفعل”.

أنواع الأساليب الإنشائية في اللغة العربية

ينقسم الأسلوب الإنشائي في اللغة العربية إلى قسمين رئيسيين: الإنشاء الطلبي، وهو الذي يتطلب وجود مطلوب غير موجود في ذهن المتحدث عند الطلب، والقسم الثاني هو الإنشاء غير الطلبي، وسنتناول تفاصيل كلا القسمين لاحقًا.

الأسلوب الإنشائي الطلبي

ينقسم الأسلوب الإنشائي الطلبي إلى خمسة أنواع، والتي سيتم شرحها كما يلي:

أقسام الأسلوب الإنشائي الطلبي
الأمر مثل: (ادرس بجد).
النهي مثل: (لا تلعب بالأدوات الحادة).
الاستفهام مثل: (هل حضرت الدرس؟).
النداء مثل: (يا أحمد، تعال معي).
التمني مثل: (ألا ليت الشباب يعود يومًا).

الأمر

يعرف الأمر بأنه “صيغة معينة تطلب الفعل، أو تطلب فعلًا، باستخدام أداة الاستعلاء”. وقد عرّفه ابن يعيش بأنه “طلب الفعل بصيغة مخصصة، ويُطلق عليه أسماء حسب نوعه. فإذا كان من الأعلى إلى الأدنى يسمى أمرًا، وإذا كان من النظير إلى النظير يُطلق عليه طلب، وإذا كان من الأدنى إلى الأعلى يسمى دعاء”. ويأتي أسلوب الأمر بأربع صيغ تدل على معناه الحقيقي:

  • صيغة فعل الأمر، كما في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).
  • صيغة الفعل المضارع المقترن بلام الطلب، كما في قوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ).
  • صيغة اسم فعل الأمر، مثل: “حيّ على الصلاة”.
  • صيغة المصدر التي تحل محل فعل الأمر، كما قال الشاعر:

يا قلب صبراً لنار

كوتك في الحب كيًّا

يخرج فعل الأمر إلى معانٍ مجازية غير معانيه الحقيقية، من بينها:

  • الدعاء: يأتي الأمر بصورة دعاء إذا كان من البشر إلى الله، مثل قوله تعالى: (قالَ رَبِّ اغفِر لي وَلِأَخي وَأَدخِلنا في رَحمَتِكَ وَأَنتَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ).
  • الإرشاد: يأتي بصيغة إرشاد في حالة النصح غير الملزم، مثل: “دعْ ما يؤلمك”.
  • التهديد: يظهر بصيغة تهديد عند عدم القبول من المأمور، مثل قوله تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر).
  • الالتماس: يظهر بصورة التماس عند تساوي الآمر والمأمور في المرتبة، مثل قوله تعالى: (فَأَوفِ لَنَا الكَيلَ وَتَصَدَّق عَلَينا إِنَّ اللَّـهَ يَجزِي المُتَصَدِّقينَ).
  • الإكرام: كقوله تعالى: (فَلَمّا دَخَلوا عَلى يوسُفَ آوى إِلَيهِ أَبَوَيهِ وَقالَ ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ)، حيث أُظهر هنا التقدير والكرامة.
  • التمني: يتجلى عند توجيه الأمر إلى غير العاقل، مثل: “لا تنتهِ يا زمن الفرح والمسرات”.
  • التسوية: يظهر في حالة تفضيل أمر على آخر، مثل قوله تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
  • التعجيز: يظهر في حالة الإظهار عن عدم قدرة المخاطب على القيام بالأمر، كما في قوله تعالى: (فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
  • الامتنان: كقوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
  • الإهانة: تظهر عندما يكون الأمر مصحوبًا بنبرة تحقير، كما في: “دع النجاح لأصحابه، لا تسعَ في طلبه”.
  • التسخير: يظهر في حالة انقياد المخاطب للآمر دون القدرة على الفعل، مثل: (قُلنا يا نارُ كوني بَردًا وَسَلامًا عَلى إِبراهيمَ).
  • التخيير: يظهر حين يتوهم المخاطب إمكانية الجمع بين أمرين، مثل: “تزوج هنداً أو أختها”.
  • التهكم: كما في قوله تعالى: (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
  • التعجب: كقول الشاعر:

أحسس بها خلّة لو أنها صدقت

موعودها، ولو أنّ النصح مقبول

  • الاعتبار: كقوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
  • الدوام: مثل قوله: (وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ)، حيث الهدف هو الثبات على طريق الحق.
معنى الأمر مثال عليه
الدوام (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
الدعاء اصفح اللهم عن ذنوبي.
الإرشاد شاور سواك إن وقعت في مصيبة.
الالتماس قال أخ لأخيه: أقرضني مبلغاً من فضلك.
التهديد لا تمتثل لأوامر رئيسك، وسترى ما سيكون من أمرك.
التسوية (قُل أَنفِقوا طَوعًا أَو كَرهًا لَن يُتَقَبَّلَ مِنكُم إِنَّكُم كُنتُم قَومًا فاسِقينَ).

النهي

يعرف النهي بأنه “طلب كف عن فعل بطريقة استعلائية”، حيث يطلب بعدم القيام بفعل معين، كقوله: “لا تكذب”. يتألف أسلوب النهي الحقيقي من عنصرين: العلو والاستعلاء، ويشبه أسلوب الأمر في هذه الصيغة، وللنهي صيغة حقيقية واحدة وهي صيغة الفعل المضارع المجزوم بلا الناهية، مثل: “لا تفعل المعصية”. ولكنه يمكن أن يخرج إلى معاني بلاغية أخرى، من بينها:

  • الدعاء: يأتي النهي بمعنى الدعاء عندما يكون صادرًا من الإنشائي الأدنى إلى الأعلى، مثل قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
  • الالتماس: عندما يُصدر النهي من شخص لشخص آخر على نفس المرتبة، كقول الصديق لصديقه: “لا تكفّ عن طلب العلم”.
  • التمني: يظهر عندما يوجه إلى غير العاقل، مثل: “لا تغربي يا شمس”.
  • النصح والإرشاد: عندما يأتي من ذوي الحكمة وهم يوجهون عبارات النصح والإرشاد، مثل قول الشاعر:

لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم

فلربَّ مغلوبٍ هوى ثم ارتقى

  • التوبيخ: يظهر كعذر ينبغي على المخاطب التوقف عنه، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
  • التحقير: يسخر فيه الشخص من المخاطب لتقليل قيمته، كما في قول الشاعر:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

  • التيئيس: يظهر عندما يراد منه قطع أمل المخاطب، مثل قوله تعالى: (لا تَعتَذِروا قَد كَفَرتُم بَعدَ إيمانِكُم).
  • التهديد: يظهر في محاولة تخويف المخاطب، مثل قول الأب للابن: “لا تكف عن كسلك”.

الاستفهام

الاستفهام هو أسلوب لغوي يُستخدم لفهم واستعلام عن معلومات غير معروفة، سواء كانت تتعلق بشخص أو شيء أو نسبة معينة. تستخدم أدوات الاستفهام لتحقيق هذا الغرض، والتي تنقسم إلى قسمين: حرفي الاستفهام مثل “الهمزة” و”هل”، حيث تستخدم الأولى للتساؤل عن أي شيء غير معرف، مثل: “أذهبت إلى المدينة؟”، والثانية لتحديد النسبة كما في: “هل أحمد ضربت؟”. أما القسم الثاني فيشتمل على الأسماء، التي تستخدم لتحديد موضع معين.

يمكن أن يُخرج أسلوب الاستفهام إلى معانٍ بلاغية متنوعة، وهي:

  • التسوية: كما في قوله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
  • النفي: كقول الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
  • الأمر: كما في: “أتصون لسانك عن الأذى”.
  • النهي: كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴿٦﴾ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ).
  • التشويق: كما في حديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في حديث معاذ بن جبل: (ألا أَدلك على أبواب الخير؟…. ألا أُخبرك برأس الأمر، وعموده، وذِروة سنامه؟…. ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟).
  • التعظيم: كما قال الشاعر:

أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا

ليوم كريهة وسِدادِ ثـَغْـر

  • التحقير: كقولنا: “أهذه التي مدحتها كثيراً؟”.
  • التمني: كما قال الشاعر:

أَيَدري الرَبعُ أَيَّ دَمٍ أَراقا

وَأَيَّ قُلوبِ هَذا الرَكبِ شاقا

  • التعجب: نحو قوله تعالى: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ).
  • التوبيخ: مثل: “أتشعر بالطمأنينة من فعلتك؟”.
أدوات الاستفهام
أحرف الاستفهام أسماء الاستفهام
هل أين
الهمزة (أ) متى
كيف
أيّان
ما
من
كم
أي
أنّى

النداء

يعد النداء أحد الأساليب الإنشائية الأساسية في اللغة العربية، ويهدف إلى جذب انتباه الآخر. يتم استخدام أدوات محددة المناسبة لهذه الغاية، وتعتمد على مدى قرب المنادى من المتحدث. تشمل أدوات النداء ما يلي:

  • الهمزة: تسخدم للمنادى القريب، مثل: “أخالدٌ أغلق الباب”.
  • الياء: تستخدم للمنادى المتوسط، مثل: “يا مريم لا تسهري كثيراً”، وللمنادى البعيد، مثل: “يا طالبي العلم اجتهدوا”.
  • أيا، هيا: تستخدم للمنادى البعيد، كما في: “أيا عامل في المصنع قم بواجبك”، و”هيا متهوراً، انتبه”.

يتسم أسلوب النداء بالإيجاز وجذب الانتباه، وقد يخرج أحيانًا عن معناه الأصلي إلى أغراض بلاغية أخرى. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في بلاغة القرآن الكريم، مما حفز البلاغيين على دراسة هذا الأسلوب والتعمق فيه، كما تضمن العديد من الخطب والشعر والأدب في العصور السابقة.

أدوات النداء
أداة النداء غرضها
أيا-هيّا-آ-أي للبعيد
يا للقريب والبعيد
الهمزة (أ) للقريب
وا للندبة والتفجع

التمني

التمني هو أسلوب طلبي يرمي إلى الحصول على أمر محبوب قد يصعب تحقيقه. مثل: “ليت الزمان يعود”، أو بحيث يكون صعباً، مثل: “ليتني أحصل على مكافأة مالية”. حينما يكون المتوقع حدوثه قريبًا يصبح التمني ترجيًّا، ويستخدم لتلك الأغراض كلمات مثل “عسى” و”لعل”، كما في: “لعل الفرج قريب” و”عسى الغائب يعود”. يتضمن أسلوب التمني أربع أدوات رئيسية:

  • ليت: تعد الأداة الأساسية، وتعبر عن استحالة الشيء، كما في قول الشاعر:

ألا ليت شعري، هل أبينت ليلة

بوادي الغضا أزجي القلاص النواجيا؟

  • هل: تستخدم للتمني البعيد، كقوله تعالى: (الُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ).
  • لو: كما في قوله: (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
  • لعل: يمكن استخدامها للتمني القريب والبعيد، كقول الشاعر:

لعلّ عتبك محمودٌ عواقبه

وربما صحت الأجسام بالعلل

تدريب: حدد/ي الأسلوب الإنشائي الطلبي في الجمل التالية:
يا ليلى، أريد أن أقول لك شيئًا. (…………………..)
اقرأ دروسك. (…………………..)
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتِ بمثله. (…………………..)
متى تبدأ المحاضرة؟ (…………………..)
واحسرتي على ما فاتني! (…………………..)

الأسلوب الإنشائي غير الطلبي

كما ذكرنا سابقًا، فإن الإنشاء غير الطلبي لا يستدعي وجود مطلوب عند الطلب. وله صيغ متعددة، مثل: القسم، نحو: “والله لأحافظن على صلاتي”، وأفعال المدح والذم، كقول الله تعالى: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ)، والترجي، كما في قوله تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، والتعجب، كقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ). أيضًا، من بين الصيغ الأخرى، نجد ألفاظ العقود، مثل: “قبلت بك زوجاً”، و”رب” و”كم” للخبر، مثل: “رب إشارةٍ أبلغ من عبارةٍ”، و”كم مؤمنٍ وقف خاشعاً في الصلاة”. ومن المهم التنويه أن الإنشاء غير الطلبي حظى باهتمام أقل من العلماء حيث كان الأسلوب الطلبي أكثر غزارة بالبلاغة والرموز الجمالية.

Published
Categorized as معلومات عامة