لقد عانت نفسي بكم، وفقدت الراحة
حَلفتُ يميناً، يا بثينة، بصدقٍ
فإن كنتُ فيها كاذباً، فالعمى حليفُ
إذا كان جلدٌ غير جلدك قد مسّني
فقد باغتني دون الشّعار، فاشتريتُ
ولو أن داعياً منك يدعو إلى جنازتي،
لكنت على أيدي الرجال أحييتُ
بزاوية تهدي الخيال في الوادِ
فلا تستغربي، فإن الحب أضحى
لبثنة، في سواد القلب يفترش السواد
لأرى الوجوه، فلا أرى سواكِ
قالوا ويخلق أربعين مشابهاً
من أربعينك لا أريد سواكِ
بعض من هذا الداء، يا بثينة، يكفيني
لا تلوموا فقد سوّلت لي الأحباب
دعوني، فقد أقرح الحب قلبي
زعم الناس أن دائي طبي،
وأنتِ والله، يا بثينة، طبيبي
وفي الغر من أنيابكِ، بالقوادحِ
رمتني بسهمٍ، ريشه الكحل، لم يُؤذِ
ظهوري، فهو في القلب جارحٌ
ألا ليتني، قبل ما قلتِ، شابت لي؛
من المدّعي القاضي سمام الذراريح
نهضتُ، ولم تدري علي خيانةٌ
ألا رُبّ مُسعى للرّبحِ ليس برابحِ
فلا تحمليها، واجعليها جنايةً
تفرقتُ منها في مياحةٍ مائحِ
أعترف بذنبي، إني قد ظلمتها،
وإني بباقي سِرّها غير باحٍ
فدموع عينكِ درّةٌ وغزارُ
والحب، كان أول ما يكون لجاجةً
تأتي به وتسوقه الأقدارُ
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى،
نزلت أمورٌ لا تُطاق كِبارُ
ما من قرين ألف قرينه،
إلا لحبل قرينها إقصارُ
وإذا أردتِ، ولن يخونك كاتمٌ،
حتى يُشيع حديثك الإظهارُ
كتمان سركِ، يا بثينة، فإنما،
عند الأمين، تُغيب الأسرارُ
درٌ تحدر، نثره، مضمورٌ
محطوطةُ المتنين، ضامرةُ الحشا،
ريان الروادف، خَلّقُها مَكُور
لا حسنها حسن، ولا كدلالها
دَلٌ، ولا كوقارها توقير
إنّ اللسان بذكرك لموكّل،
والقلب صادِ، والخواطر صورٌ
ولئن جَزيت الودّ مني مثلَه،
إني بذلك، يا بثينة، جديرٌ
عن مثل رائحة العنبر
خليلان لم يقربا ريباً ولم
يستخفا إلى مُنكرٍ
ودهرٌ تولى، يا بثينة، يعودُ
نفترق كما كنا، وأنتمُ
قريبون، وعندما تتجلى الحيلة زهيدُ
أهيّم، وأنني أبدي النحولِ؟
هبّي لي نسماتٍ من ريح بثنٍ
ومنيّ بالهبوب على جميلِ
وقولي: يا بثينة، حسب نفسي
قليلُكِ، أو أقلُّ من القليلِ
وعصيتُ فيك وقد جهدن عواذلي
حاولني لأبت قطع حبل وصالكِ
مني، ولكن وإن جهدن، بفاعِلِ
فرددتُهن وقد سعين بهجركم
كتبن لي بؤسى غارق ناصِلِ
يَعُضْنَ من غيظٍ عليّ أنامِل،
ووددتُ ليت يعُضْن صُمّ جُنادلِ
ويقلن إنك يا بثينة بَخيلة
نفسي فداؤك، من ضَنينٍ باخلِ!
وحدا، على أثر الحبيبة، حادِ
ما إن شعرت، ولا علمت بينهم
حتى سمعتُ الغراب يُنادي
لما رأيتُ الفراق، قلتُ لصاحبي
صدعت بمصدِّعة القلوب فؤادي
فقد بانوا، وغُودر في الديارِ متيمُ
كلفٌ بذكرك، يا بثينة، صادِ
تقول بثينة لما رأت
فنونا من الشعر الأحمر:
كبرتَ، جميل، وأودى الشبابُ،
فقلت: بثين، ألا فاقصري
أتنسيَن أيّامنا باللّوى،
وأيامنا بذوي الأجفر؟
أما كنتِ ابصرتني مرةً،
ليالي، نحن بذي جَهْوَر
ليالي، أنتم لنا جيرةٌ،
ألا تذكُرين؟ بلى، فاذكري!
وإذا أنا أغيد، غضُّ الشباب،
أجرُّ الرداء مع المئزر،
وإذ لمتني كجناحِ الغرابِ،
تُرجّل بالمسك والعنبر
فغير ذلك ما تعلمين،
تغير ذاك الزمن المنكر
وأنتِ كشعلة اللؤلؤ،
بماء شبابك، لم تعصِري
قريبان، مربعتنا واحدةٌ،
فكيف كبرتُ ولم تكبري؟
أحدث التعليقات