كتب مصطفى صادق الرافعي:
عصافيرٌ تحسب القلوب من الحبِّ
فمن لي بعصفورةٍ لقطت قلبي
وطارت فلما خافت العينُ فواتها
أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها
فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي
ويا ليتها قد عششت في جوانبي
تغردُ في جانب وتمرح في جنبِ
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها
فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ
رثيتِ لأهل الحبِ من شغف الحبِ
خذي في جناحيك الهوى من جوانحي
وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ
وثنيتُ بالأخرى فدارت رحى الحربِ
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ
كما التحم السيفان عضباً على عضبِ
خاطب محمود درويش:
أنا آتٍ إلى ظلّ عينيك… آتِ من خيام الزمان البعيد، ومن لمعان السلاسل. أنتِ كل النساء اللواتي ماتت أزواجهن، وكل الثواكل. أنتِ العيون التي فرّت منها الصباح حين صارت أغاني البلابل ورقاً يابساً في مهب الرياح! أنا آت إلى ظلّ عينيك… آتٍ من جلود تُحاك السجاجيد منها… ومن حدقات علّقت على جيد الأميرة عقداً… أنتِ بيتي ومنفاي… أنتِ أرضي التي دمّرتني… أنتِ التي حوّلتني سماءً… وأنتِ كل ما قيل عنك ارتجال وكذبة. لستُ سمراء، لستُ غزالاً، ولستِ الندى والنبيذ، ولستِ كوكباً طالعاً من كتاب الأغاني القديمة عندما ارتجّ صوت المغنين… كنتُ لغة الدم حين تصير الشوارع غابة وتصبح العيون زجاجاً، ويصير الحنين جريمةً لا تموتي على شرفات الكآبة. كل لون على شفتيك يحتفل بالليالي التي انصرمت… بالنهار الذي سوف يأتي. اجعلي رقبتي عتبات التحول، أوّل سطر بسفر الجبال. الجبال التي أصبحت سلماً نحو موتي! والسقف التي احترقت فوق ظهري وظهرك ستبقى سؤالاً، أين سمسار كل المنابر؟ أين الذي كان؟ كان يلوك حجارة قبري وقبركما الذي يجعل الكلمات عرايا؟ ما الذي يجعل الريح شوكاً، وفحم الليالي مرايا؟ ما الذي ينزع الجلد عني، ويثقب عظمي؟ ما الذي يجعل القلب مثل القذيفة؟ وضلوع المغنين ساريةً للبيارق؟ ما الذي يفرش النار تحت سرير الخليفة؟ ما الذي يجعل الشفتين صواعق؟ غير حزن المصفد حين يرى أخته… أمه… حبه لعبةً بين أيدي الجنود وبيني سماسرة الخطب الحامية، فيعضّ القيود. ويأتي إلى الموت… يأتي إلى ظلّ عينيك… يأتي! أنا آتٍ إلى ظل عينيك… آتٍ من غبار الأكاذيب… آتٍ من قشور الأساطير. أنتِ لي… أنتِ حزني وأنتِ الفرحة أنتِ جرحي وقوس قزح أنتِ قيدي وحريتي.
أنتِ طيني وأسطورتي
أنتِ لي… أنتِ لي بجراحك كل جرح حديقة! أنتِ لي… أنتِ لي… بنواحك كل صوت حقيقى. أنتِ شمسي التي تنطفئ، وأنتِ ليلي الذي يشتعل. أنتِ موتي، وأنت حياتي. سأأتي إلى ظل عينيك… كورد أزهر في شفاه الصواعق قبلةً أينعت في دخان الحرائق. فاذكريني، إذا ما رسمت القمر فوق وجهي، وفوق جذوع الشجر مثلما تذكرين المطر، ومثلما تذكرين الحصى والحديقة. واذكريني، كما تذكرين العناوين في فهرس الشهداء. أنا صادقت أحذية الصبية الضعفاء أنا قاومت كل عروش القياصرة الأقوياء. لم أبع مهرتي في مزاد الشعارات المساوم. لم أذق خبز نائم لم أساوم. لم أدق الطبول لعرس الجماجم. وأنا ضائع فيك بين المراثي وبين الملاحم بين شمسي وبين الدم المستباح. جئت عينيك حين تجمد ظلّي، والأغاني اشتهت قائليها…
كتب نزار قباني:
قالت: أترى أن تزين دفتري بعبارة أو بيت شعر واحد. بيتٌ أخبئه بليل ضفائري، وأريحه كالطفل فوق وسائدي. قل ما تشاء فإن شعرك شاعري أغلى وأروع من جميع قلائدي. ذات المفكرة الصغيرة… أعذري، ما عاد ماردك القديم بمارد من أين؟ أحلى القارئات أتيتني. أنا لست أكثر من سراج خامد، أشعاري الأولى… أنا أحرقتها ورميت كل مزاهري وموائدي. أنتِ الربيع… بدفئه وشموسه. ماذا سأصنع بالربيع العائد؟ لا تبحثي عني خلال كتابتي، شتان ما بيني وبين قصائدي. أنا أهدم الدنيا ببيت شارد، وأعمر الدنيا ببيت شارد. بيدي صنعت جمال كل جميلة، وأثرت نخوة كل نهد ناهد. أشعلت في حطب النجوم حرائقًا، وأنا أمامك كالجدار البارد. كتبي التي أحببتها وقرأتها ليست سوى ورق… وحبر جامد. لا تخدعي ببروقها ورعودها، فالنار ميتة بجوف مواقدي. سيفي أنا خشب… فلا تتعجبي إن لم يضمك، يا جميلة، ساعدي. إني أحارب بالحروف وبالرؤى، ومن الدخان صنعت كل مشاهدي. شيّدت للحبّ الأنيق معابدًا وسقطت مقتولًا… أمام معابدي. قزحية العينين.. تلك حقيقتي. هل بعد هذا تقرأين قصائدي؟
قال نزار قباني:
متى ستعرف كم أهواك يا رجل
أبيع من أجله الدنيا وما فيها
يا من تحديت في حبي له مدن
بحالها وسأمضي في تحديها
لو تطلب البحر في عينيك أسكبه
أو تطلب الشمس في كفيك أرميها
أنا أحبك فوق الغيم أكتبه
وللعصافير والأشجار أحكيها
أنا أحبك فوق الماء أنقشه
وللعناقيد والأقداح أسقيها
أنا أحبك يا سيفًا أسال دمي
يا قصة لست أدري ما أسميها
أنا أحبك حاول أن تساعدني
فإن من بدأ المأساة ينهيها
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفئها
يا من يدخن في صمت ويتركني
في البحر أرفع مرساتي وألقيها
ألا تراني ببحر الحب غارقة
والموج يمضغ آمالي ويرميها
انزل قليلًا عن الأهداب يا رجل
ما زال يقتل أحلامي ويحييها
كفاك تلعب دور العاشقين معي
وتنتقي كلمات لست تعنيها
كم اخترعت مكاتيب سترسلها
وأسعدتني ورودًا سوف تهديها
وكم ذهبت لوعد لا وجود له
وكم حلمت بأثواب سأشتريها
وكم تمنيت لو للرقص تطلبني
وحيّرتني ذراعي أين ألقيها
ارجع إلي فإن الأرض واقفة
كأنما فرت من ثوانيها
ارجع فبعدك لا عقد أعلق به
ولا لمست عطوري في أوانيها
لمن جمالي لمن شال الحرير لمن
ضفائري منذ أعوام أربيها
ارجع كما أنت صحوًا كنت أم مطر
فما حياتي أنا إن لم تكن فيها
كتب أحد الشعراء في قصيدة نبطية:
بكل إحساس العاشقين أرسملك صورة في خيالي. حبك في قلبي سجين، وأحتار أنا في سؤالي كيف بوصل مداك وأعانق الغيمة في سماك، وأنتِ أبعد من حدود. وأنا مشتاق لضمّك، أموت وأحيا بضمك وتلتقي روحي بروحك، تلتئم أغلى جروحي. أبتسم وأقول أحبك، يشتعل شوقي لمّا يحضنه همس المكان. عيونك الخجلى دافئة، وفي ليلي الموحش أمان، وآه من ظلم المسافة. كل شيء منها نخافه من عيون تحترينا ومن شوق يموت فينا، يقتله بعد الطريق، والأمل فيها يضيق. وأنتظر لحظة وصالك، متى أشوفه خيالك. دام حبّك فيني يكبر، صار الشوق فيني أكثر.
كتب أحد الشعراء في قصيدة نبطية:
صباح الورد متعطر بعطرك أقدم لك كلمة أحبك مع مشاعر لا تهدم. همس يذوب على خدّك، وشوق يغني على قلبك، وعيون فقط خاطرها ترى. وأذن لا تريد أن تسمع غير صوتك، وقلبٌ يصون حبك. وما أقدر أقول شيء ثاني غير أني أغليك من قلبي ومن روحي أغليك. وأفراح قلبي تكتمل في لقائك. كلّك حلا سبحان من هو مسوّيك، كيا مجملك في عين قلبي ومحلاك. يقولون الهوى نظرة، يقولون الهوى أحلام، يقولون الهوى همسة، تذوب الخافق فيها. يقولون الهوى دنيا، تضمنها الغلا بهيام، يقولون العشق سلطة، ولا تقدر تقاومها. ولكنّي أشوف اليوم خادعة، وبعثرة، وأوهام. مثل غشوة على قلبك، على عينك تغشيها. مثل كذبة تصدقها، معاها دارت الأيام. مثل فكرة على بالك، بها نفسك تمنّيها.
كتب أحد الشعراء في قصيدة نبطية:
يا أطيب بشر وين ألاقيك؟ وين الحنان اللي بغيته وين ألاقيه؟ في ضيقتي، في ضحكتي بس أناديك. دامك تحس بضيقتي ليه أعاني؟ رفيق دربي، فرحتي بين أيادي. كانسى التعب، وانسى الشقا، والأمان. رفيق دربي كل ما غبت أبكي. تعال شوف بدنيتي من بكاني. أرجوك لا تترك حبيبك ومغليك. لا غبت أنا من هو يصير بمكاني. ودي أموت بحضنك اليوم وأبكيك. ولما بكيتك طاري البعد جاني. أبيك، آيه أبيك، وأبيك، وأبيك. محتاجة لك في كل شيء بزماني. احتجت لك.. وإن احتجت لك وين ألاقيك؟ أبي حنانك، وأعترف ما كفاني. تأخذين العقل وأنت ساكته، يا نور عيني، كيف أجل لو تسكت الدنيا عشان تسولفين. لو سمحتِ …. من حلا شلال همساتكِ عطيني. حدّري من همسة شفاهك، كسواليف الحنين.. حسّسيني بالمكان وبالأمان. وحسّسيني إن حبّي يكبر بقلبكِ مثل ما تكبرين. لو تحبيني… سأحؤول البحار إلى دماء… وأعيد أم كلثوم للغناء… سأحطّم صور الصين… وأبني برجك بالعين… سأنشئ لك مدرسة الحب، وألغي كل مناهج العاشقين… وأمحي كل قصص المجانين… سأكتب قصتنا بما تريدين… سأعلّم قلبي حروف الحب والهجاء… وألغي من العقول الغباء… وأرسم ملامح وجهك على جدران قلبي… وألونها بلون طيف ظهر في السماء… لو تحبيني… سأخرج من الأرض كنوزاً وأجعل كل الشهور تموز. لأجلك أنت تغني فيروز. لأنّي أحبّك أريد أن أفوز. لو تحبييني… سأحضر لك حدائق بابل… وأجعل عنتر لأجلك نادل… وأتوه في عروقك، لأصل لقلبك… وأخبر الجميع… بأنّي أحبّك… سأجعل ضلوعي لك سريراً، واعتبري قلبي وسادةً… لتنامي عليها أياماً وشهوراً. وأبقى كلّ عمري… أقول: أحبّك أحبّك… يا حبي الأوّل والأخير… لو تحبيني… سأحول المحيطات لقهوة… لأحتسيها في هذا المساء… وأجمع كل أوراق الصحف… وألفّها لتصبح سيجارةً… أدخّنها مع قهوتي السوداء… وأظلّ أفكر… هل تحبيني؟…
أحدث التعليقات