1- لقيام الديمقراطية النيابية، يجب أن يتواجد مجلس منتخب من قبل الشعب يتمتع بسلطات فعلية تتيح له المشاركة في إدارة البلاد، ولا سيما في الأمور التشريعية. فإذا كان المجلس مفتقراً إلى تلك السلطات، فإنه لا يمكن اعتباره مجلساً نيابياً حتى وإن كان منتخباً، كما هو الحال بالنسبة للمجالس الاستشارية التي تقدم المشورة للسلطة التنفيذية دون الالتزام بتوجيهاتها. ولذلك، نرى أن إسرائيل تصف المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب بـ “المجلس الإداري”، وذلك لأنها لا تعترف له بصلاحيات المجالس النيابية الحقيقية، وهو ما يعد من مظاهر سيادة الدولة التي لم تعترف بها بعد، وقد يُعتبر هذا الإجراء تماشياً مع بنود اتفاقيات أوسلو.
2- ينبغي أن يتمتع المجلس المنتخب بهوية معنوية مستقلة عن إرادة الناخبين، ويتولى مهامه بصورة مستقلة عن تلك الإرادة. حيث ينتهي دور الناخبين عند اختيار ممثليهم، ولا يحق لهم بعد ذلك عزلهم، مما يعني أنه لا يمكن حل البرلمان أو عزل رئيس الجمهورية، أو حتى الادعاء بأن القوانين الصادرة عن البرلمان المنتخب تتعارض مع إرادة الأمة. فالبرلمان المنتخب هو الجهة الوحيدة التي تعبر عن تلك الإرادة من الناحية القانونية، وإذا رغب الجمهور في حل البرلمان، فإن الوسيلة المتاحة هي استدعاء من لديه صلاحيات الحل وفقاً للدستور، كأن يكون رئيس الدولة.
3- يجب أن تكون مدة البرلمان محددة بوضوح. يمثل البرلمان رغبات وميول الشعب، ولتحقيق هذا الأمر ينبغي الرجوع إلى الشعب بين الفترات، في مدة ليست بالطويلة أو القصيرة. ذلك حتى يتمكن الشعب من مراقبة أداء البرلمان من خلال إعادة انتخابه، وبالتالي فإن إطالة المدة قد تحول دون تشديد الرقابة الشعبية. ومن ناحية أخرى، فإن تقصير المدة قد يضعف استقلالية النواب ويعزز خضوعهم لرغبات الناخبين سعياً لإعادة انتخابهم. لذا، يجب أن تكون مدة ولاية البرلمان وسطاً بين هذين الأمرين، وغالباً ما تُحدد هذه المدة في حدود أربع أو خمس سنوات، كما هو الحال بالنسبة لمدة المجلس الفلسطيني التي تمتد لخمس سنوات. وعادةً ما يجب إعادة انتخاب المجلس لفترة جديدة، إلا أنه تم تمديد مدة المجلس نتيجة عدم استقرار الأوضاع والضرورات المحيطة.
4- في الديمقراطية النيابية، العضو في البرلمان ليس مجرد ممثل للناخبين في دائرته الانتخابية، ولا يمارس الوكالة عنهم بشكل يفرض عليهم التوجيهات أو الآراء. بل، هو ممثل للأمة بكاملها، ويسعى لتحقيق المصلحة العامة في آرائه حتى وإن تعارضت مع آراء أو مصالح ناخبيه. وعلى العكس من السابق في فرنسا قبل الثورة، حيث كان النائب يُعتبر وكيلاً للناخبين، خاضعاً لآرائهم، ومطالباً بتحقيق مصالحهم. كان هذا النائب يُسلم ورقة استقالة بيضاء للناخبين، مما يجعلهم في وضع يمكنهم من عزله أو استبداله. وبذلك، كان النواب يقعون تحت ضغط توفير رضا الناخبين لضمان تجديد انتخابهم.
تتعدد صور الديمقراطية باعتبارها حكم الشعب أو حكومة الشعب، فهي يمكن أن تكون مباشرة، أو نيابية، أو شبه مباشرة.
تعتبر هذه الصورة من أقدم صور الديمقراطية، ويُشار إليها بالديمقراطية المثالية، حيث يتولى أفراد الشعب مباشرة جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وقد كانت تُطبق في اليونان القديمة حين كان المواطنون الأحرار من الذكور يشكلون الجمعيات الشعبية، ويجتمعون عدة مرات في السنة لإدارة شؤون البلاد. كانت تلك الاجتماعات تناقش مسائل السلم والحرب، وعقد المعاهدات، وتشريع القوانين وتعديلها، وتنفيذها وغير ذلك. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الصورة عملياً أصبح صعباً في الوقت الحالي، نظراً لصعوبة جمع عدد كبير من الناس لمناقشة الأمور التنفيذية والتشريعية. لذا، فإن هذه الصورة لم تعُد موجودة إلا في بعض المقاطعات القليلة في سويسرا.
تعتبر الديمقراطية النيابية الصورة السائدة حالياً في معظم أنحاء العالم. حيث لا يباشر الشعب حكم نفسه مباشرة كما في الديمقراطية المباشرة، بل يقوم بممارسة الحكم من خلال نوابه وممثليه الذين تم انتخابهم.
تستند الديمقراطية شبه المباشرة إلى وجود برلمان منتخب يمارس دوره وصلاحياته، ولكن يتم استفتاء الشعب في بعض القضايا الهامة. في هذا الشكل من الديمقراطية، يشكّل الناخبون ما يُعرف بالسلطة الرابعة، إلى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما يُعزز من نفوذهم على البرلمان. وهذا قد يتضمن السماح للشعب بالمشاركة في استفتاءات تتعلق بالقوانين الدستورية أو العادية، أو حق الاعتراض على القوانين خلال فترة معينة، مما يستدعي إعادة النظر فيها إذا طُلب ذلك. كما يمكن أن يشمل ذلك حقوق الشعب في اقتراح قوانين جديدة أو المطالبة بإقالة المسؤولين. بموجب هذه الإجراءات وغيرها، يمتلك الشعب السيادة ويشارك بشكل مباشر في عمليات اتخاذ القرار، على الرغم من أن معظم هذه الصلاحيات تُعتبر تقليدياً من اختصاص البرلمان.
أحدث التعليقات