تتضمن السنة النبوية عددًا من الأحاديث القدسية التي توضح مفهوم الرزق وسبل الحصول عليه وتعزيز الخير، كما ورد في كتاب الله عز وجل “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ”. سنستعرض بعضًا من هذه الأحاديث.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ…” ثم قال: يقول الله: “ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنًى، وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأتُ صدرَك شغلاً، ولم أسدّ فقرك.”
يظهر هذا الحديث كأحد الأحاديث القدسية التي تبرز مفهوم الرزق، موضحة الصلة بين العبادة والرزق بطريقة واضحة. يتبين من الحديث أن القرب من الله جل وعلا هو الطريق الأساس للحصول على الرزق، حيث إنه الرزاق القوي.
تتضمن كلمات هذا الحديث أمرًا بالتوجه إلى الله، مفادها “ابن آدم تفرغ لعبادتي”، مما يحث المسلمين على الاقتراب من الله لنيل الرزق. أما عبارة “أملأ صدرك غنى”، وقد اختلف العلماء في تفسيرها، فبعضهم يرى أنها تشير إلى الصبر والرضا، بينما يراها آخرون تعني الرزق المالي الوافر في الدنيا.
قد يكون الرأي الأقرب للصواب هو الرضا والقناعة، حيث تشير كلمة “أملأ صدرك” إلى القلب، وهو موطن الرضا. كما أن جملة “أسد فقرك” تعني الفقر المادي بشكل واضح.
تدل كلمة “إلا” في نهاية الجملة على شرط، ويعقبها قول: “وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً” بمعنى الانشغال بشؤون الدنيا دون جدوى.
تطرح العديد من التساؤلات عند قراءة هذا الحديث، منها: ما هي العبادة التي تجلب الرزق؟ يجب أن نتذكر أن العبادات كثيرة، بدءًا من الدعاء والذل لله في جميع أمور الدنيا.
كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم، “سل الله رغيف عيشك وملح عجينك”، مما يعني اللجوء إلى الله بالدعاء حتى في أبسط الأمور. من العبادات التي تساهم في جلب الرزق: الاستغفار، والحوقلة، والصلاة على النبي المختار.
يمكن استخلاص عدة أمور من حديث الرسول، منها:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّهَ وكَّلَ في الرَّحِمِ مَلَكًا، فيقول: يا رَبِّ نُطْفَةٌ، يا رَبِّ عَلَقَةٌ، يا رَبِّ مُضْغَةٌ. فإذا أراد أن يَخْلُقَها قال: يا رَبِّ أذَكَرٌ، يا رَبِّ أُنْثَى، يا رَبِّ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَما الرِّزْقُ، فَما الأجَلُ، فيُكْتَبُ كَذلكَ في بَطْنِ أُمِّهِ
يعتبر هذا الحديث من ضمن الأحاديث القدسية التي توضح مراحل خلق الإنسان بدءًا من النطفة إلى الولادة، لكنه لا يركز على كيفية الخلق بل يُظهر إبداع الخالق في تكوين الجنين واهتمامه بإيصاله الرزق. إن الذي خلق كل ذلك قادر بالطبع على أن يمنحك الرزق من خيرات السموات والأرض.
تشير كلمات الحديث إلى “نطفة” و”علقة” و”مضغة”، مما يبرز مراحل تطور الجنين. المضمون الأساسي هو أن الله قد كَتب الأرزاق لكل إنسان قبل خروجه إلى الحياة، مما يبعث على الاطمئنان بأن الرزق بيد الله ولن يُضيع عبده أبدًا.
تتمثل أهمية الحديث في النقاط التالية:
عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الرَّجلَ ليُحرم الرِّزقَ بالذَّنبِ يصيبه.”
يوضح هذا الحديث أسباب قلة الرزق، مشيرًا إلى أن المعاصي تعتبر من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى فقدان الرزق، ويُحثّ الإنسان على العودة لله وطلب التوبة.
تتضمن العبارات في الحديث معنى “يحرم الرزق” أي يُمنع من نصيبه المكتوب، “بالذنب يصيبه” أي بسبب المعصية التي وقع فيها.
فماذا يفعل الإنسان بعد ارتكاب أي ذنب؟ يجب عليه التوبة والعودة إلى الله، حيث أن باب التوبة مفتوح دائمًا، ولكن بشرط أن تكون توبته صادقة.
يمكن تلخيص الدروس المستفادة من الحديث بما يلي:
هناك الكثير من الأحاديث القدسية التي تتحدث عن جلب الرزق. من بينها ما ورد عن أم سلمة -رضي الله عنها- بأن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال بعد صلاة الفجر: “اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا ورزقًا طيِّبًا وعملًا متقبَّلًا.”
يظهر هذا الحديث دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لطلب الرزق وتحقيق العمل المفيد.
تشرح أم سلمة الطريقة الصحيحة لقول هذا الدعاء عقب الصلاة مباشرة.
المقصود بالعمل النافع هو العلم المفيد لأهله والآخرين. بينما الرزق الطيب يقصد به الرزق الحلال، و”العمل المقبول” يشير إلى خضوع الإنسان لله ودعاءه ليتقبل عمله.
يمكن التركيز على ما نتعلمه من الحديث على النحو التالي:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن أحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثره، فليصل رحمه.”
يجسد هذا الحديث فضل صلة الرحم وعظمتها باعتبارها وسيلة لكسب الرزق وزيادة البركة في الحياة.
توجد العديد من الآيات التي تؤكد فضل صلة الأرحام.
تشير كلمة “يبسط” في الحديث إلى حصول الشخص على راحتهم في كسب الرزق، و”ينسأ” تعني زيادة الخير في حياتهم.
يوضح هذا الحديث أهمية صلة الرحم ورابطتها بكسب الرزق وطيب الأثر في الدنيا والآخرة.
أحدث التعليقات