سنستعرض هنا أجمل قصائد جميل لبنى في موضوع الغزل:
قالت بثينة: يَا جَميلُ أرَبْتَني،
فأجبتُ: كِلانَا، يا بُثينَ، مُريبُ.
وأرْيَبُنَا من لا يُؤدي أمانة،
ولا يحتفظ بالأسرار حين يغيبُ.
يكون بعيدًا عن من لا يسأل حاجة،
أما من لديه حاجة، فهو قريبُ.
أشاقكَ عالجٌ، فإلى الكثيب،
إلى الدارات من هِضَب القَلِيبِ.
عندما نزلت بمصر، وحلوا أهلي
بيَثرِبَ، بين آطام ولُوبِ.
مجاورة بمسكنها نحيبًا،
وما هي حين تسأل من مجيبِ؟
وأهوى الأرضَ عندي حيث حلت،
بجدبٍ في المنازل، أو خصيبِ.
وقالوا: يا جميل، أتى أخوها،
فقلت: أتى الحبِيبُ أخُو الحبِيبِ.
أحبّكَ إن نزلت جبال حِسْمَى
وأن ناسبتَ بَثنة من قريبِ.
ارحميني، فقد بليتُ، فحسبُ
بعضُ ذا الداءِ، يا بثينة، حسبي!
لامني فيك، يا بُثينة، صحبي،
لا تلوموا، قد أقرح الحب قلبي!
زعم الناس أن دائي طبي،
أنتِ، والله، يا بُثينة، طبّي!
وما بكت النساء على قتيل،
بأشرف من قتيل الغانيات.
فلما مات من طرب وسكر،
رددن حياته بالمسمعات!
فقام يجُرّ عطفَيه خمارًا،
وكان قريب عهدٍ بالممات.
وأول ما قاد المودة بيننا،
بوادي بَغِيضٍ، يا بُثينَ، سِبابُ.
وقلنا لها قولاً، فجاءت بمثله،
لكل كلام، يا بثين، جوابُ.
أمنكِ سرى، يا بثنَ، طيفٌ تأوب،
هدوءً، فهاج القلب شوقًا وأنصبا؟
عجبتُ له أن زار في النوم مضجعي،
ولو زارني مستيقظًا، كان أعجبا.
حلفتُ، لكيما تعلّمي صادقًا،
وللصدق خير في الأمر وأنجحُ.
لتكليم يومٍ من بثينة واحدٍ
ألذّ من الدنيا، لديّ وأملحُ.
من الدهر لو أخلو بكُنّ، وإنما
أُعالِج قلوبًا طامحة، حيث يطمحُ.
ترى البزل يكره الرياح إذا جرت،
وبثنة، إن هبت بها الريح، تفرحُ.
بذي أُشرٍ، كالأقحوان يزينه،
ندى الطل، إلا أنه أملح.
تنادى آل بثنة بالرواح،
وقد تركوا فؤادكَ غير صاحِ.
فيا لكَ منظرًا، ومسير ركبٍ،
شَجاني حين أبعدَ في الفَيَاحِ.
ويا لكَ خلة ظفرت بعقلي،
كما ظفرَ المقامر بالقِداحِ.
أريد صَلاحها، وتريد قتلي،
وشَتّى بين قتلي والصلاحِ!
لعمر أبيكِ، لا تجدين عهدي
كعهدك في المودة والسماحِ.
ولو أرسلتِ تستهدينَ نفسي،
أتاكِ بها رسولكِ في سراحِ.
سنلقي نظرة على أجمل قصائد قيس لبنى في الغزل:
وما أحببت أرضكم ولكن
أقبل بمَن وَطِئتِ الترابَا.
لقد لاقيتُ من كلفي بلبنى
بلاءً ما أُسيغ بِهِ الشرابَا.
إذا نادى المنادي باسم لبنى
عييتُ فما أُطيقُ له جوابا.
فهذا فعل شيخينا جميعًا،
أرادا لي البَلِيَّةَ والعَذابَا.
أضوء سنا برق بدا لك لمعه
بذي الأثل من أجراع بيشة ترقبُ.
نعم إنني صبٌ هناك موكَّلٌ
بمَن ليس يُدْنيني ولا يَتَقَرَّبُ.
ومن أشتكي منه الجفاء وحُبُّهُ
طَرَائِفُ كانت زوّ من يتحببُ.
عفا الله عن أمّ الوليد أما ترى
مساقط حبي كيف بي تتلعبُ؟
فتأوي لمن كادت تغيظ حياته غداة
سمت نحوي سوائر تنعبُ.
ومن سقمِي من نية الحب كلما
أتي راكب من نحو أرضك يضرِبُ.
مرضتُ فجاؤوا بالمعالج والرقى،
وقالوا: بصير بالدَّواء مُجَرَّبُ.
أتاني فداواني وطال اختلاَفهُ
إليّ فأعياهُ الرقى والتطببُ.
ولم يُغنِ عَنّي ما يُعقِّدُ طائلاً
ولا ما يُمنَّيني الطبيب المُجَرَّبُ.
ولا نشرات بات يغسلني بها
إذا ما بدا لي الكوكب المُتَصَوِّبُ.
وبانُوا وقد زالت بلُبْنَاكَ جَسْرَةٌ،
سبوح ومَوَّارُ المِلاَطَيْنِ أصهبُ.
لقد نادى الغراب ببين لبنى،
فطار القلب من حذر الغراب.
وقال: غدًا تباعَدُ دار لبنى
وتنأى بعد ودٍّ واقترابِ.
فقلت: تعِستَ ويحكَ من غرابٍ،
وكان الدهر سعيكَ في تَبَابِ.
لقد أُولِعْتَ — لا لاقَيْتَ خَيْرًا —
بتفريق المُحب عن الحبَابِ.
يقرُّ بعيني قربها ويزيدني
بها كلفًا من كان عندي يعيبُها.
وكَم قائل قد قال: توب فعصيته،
وتلك لعَمري تَوبةٌ لا أتوبُها.
فيا نفسُ صبرًا، لست والله فاعلني
بأول نفس غاب عنها حبيبُها.
ولَو أنَّني أستطيع صبرًا وسلوةً،
تناسيتُ لبنى غير ما مُضمرٍ حقدا.
ولكن قلبى قد تقسمه الهوى
شتاتًا فما أُلْفَى صبورًا ولا جلدًا.
سلي الليلة عني كيف أرعى نُجومَهُ،
وكيف أقاسي الهم مُستخليًا فردًا.
كأن هبوب الريح من نحو أرضكم
يُثير فُتات المِسك والعنبَر النَّدَا.
سنستعرض أجمل قصائد كثير عزة في الغزل:
غدت من خصوص الطف ثم تمرست
بجنب الرَحَا من يومها وهو عاصفُ.
ومرّت بقاع الرضتين وطرفها
إلى الشرف الأعلى بها متشارفُ.
فما زال إسآدي على الأين والسُّرى
بحزّة حتى أسلمتَه العَجَارِفُ.
ألمم بعزّة إنّ الركب منطلق،
وإن نأتكَ ولم يلمم بها خرقُ.
قامت تَرَاءَى لنا والعين ساجيةٌ،
كأنّ إنسانَها في لجّةٍ غرقُ.
ثم استدار على أرجاءِ مقلتِها،
مُبادراً خَلَسَاتِ الطَّرْفِ يَسْتَبِقُ.
كأنّه حين مَرّ المأقَيْنِ بِهِ،
دُرٌّ تَحَلَّلَ مِنْ أَسْلاَكِهِ نَسَقُ.
وللعبير على أصدغِها عبقٌ،
كأنّه بجنوب المحجر العلقُ.
تأرجَ الحيّ إذ مَرّت بظُعْنِهِ
ليلى، ونمَّ عليها العنبرُ العبقُ.
تنيل نزرً قليلًا وهي مشفقةٌ،
كما يَهَابُ نَشِيشَ الحيّة الفَرِقُ.
ولولا حبكم لتضاعفتني،
هَضيمُ الكَشْحِ طيِّعة العناقِ.
كأن مغارز الأنيابِ منها
إذا ما الصبح نورَ لانفلاَقِ.
صليت غمامة بجناة نحلٍ،
صفاة اللَّون طيّبَةِ المذاقِ.
مقيلي كل هاجرةٍ صخودٍ،
على هوجاء لاحِقة الصِّفاقِ.
قضيتُ لبانتي وصرمتُ أمري،
وعدّيتُ المطيّة في بُساقِ.
وكم قد جاوزتْ نقضي إليكمْ
من الحزز الأماعزِ والبراقِ.
هلالَ عشيّةٍ لشفا غروبٍ،
تسرَّرَ ليلةً بعد المُحاقِ.
إذا ضَمْرِيّةٌ عَطَسَتْ فَنِكْها،
فإنّ عُطَاسَها طَرَفُ الوِدَاقِ.
لقد أزمعت للبين هندٌ زيالها،
وزمّوا إلى أرض العراق جِمالَها.
فما ظبيّةٌ أدماءُ واضحةُ القَرا،
تنُضُّ إلى بردِ الظِّلالِ غزالَها.
تحُتُّ بقَرْنيها بريرَ أراكَةٍ،
وتعطي بظلفَيْها إذا الغصنُ طالها.
بأحسن مِنها مُقلّةً ومُقلّداً،
وجيدًا إذا دانت تنُوط شِكالَها.
بأبي وأمّي أنتِ من مظلومةٍ،
طبنَ العدوُّ لها فغيّرَ حالَها.
لو أنّ عَزَّةَ خَاصَمَتْ شمسَ الضُّحَى
في الحسنِ عند مُوفَّقٍ لقضى لها.
وسعى إليَّ بصرم عزّة نسوةٌ،
جعلَ المليكُ خُدودَهُنّ نَعالَها.
إليكم أجمل قصائد قيس بن الملوح في الغزل:
ليالي أصبو بالعشي وبالضحى
إلى خُرَدٍ ليست بسودٍ ولا عصْلِ.
منعمة الأطراف هيف بطونها
كواعب تمشي مشية الخيل في الوحل.
وأعناقها أعناق غزلان رملة،
وأعينها من أعين البقر النجل.
وأثلاتها السفلَى ذرادِيُّ ساحلٍ،
وأثلاتها الوسطى كثيبٌ من الرمل.
وأثلاتها العليا كأن فروعها
عناقيد تُغذّى بالدّهان وبالغسل.
وترمي فتصد الدُّقُول قلوبَها،
وأطرافها ما تحسن الرمي بالنبل.
زرع الهوى في القلب ثم سقينه
صبابات ماء الشوق بالأعين النجل.
رعابيب أقصدن القلوب وإنّما
هي النبل ريشَت بالفتور وبالكحل.
ففيم دماء العاشقين مطلة
بلا قود عند الحسان ولا عقل؟
ويقتلن أبناء الصبابة عنوة
أما في الهوى يا رب من حكم عدل؟
يجِيشونَ في ليلى عليَّ ولم أنَل
مع العذل من ليلى حرامًا ولا حلا.
سوى أن حبًا لو يشاء أقلها
ولو تبتغي ظلًا لكان لها ظلا.
ألا حبذا أطلال ليلى على البلا،
وما بذلت لي من نوال وإن قلا.
فما يتمادى العهد إلا تجددت
مَوَدّتُّها عندي وإن زعمت أن لا.
أيا ناعيي ليلى بجانب هضبة،
أما كان ينعاها إلي سواكما؟
ويا ناعيي ليلى بجانب هضبة،
فمن بعد ليلى لا أمرت قواكما.
ويا ناعيي ليلى لقد هجمتا لنا
تباريح نوح في الديار كلاكما.
فلا عشتما إلا حليفي مصيبة،
ولامتما حتى يطول بلاكما.
وأسلمت الأيام فيها عجائبًا،
بموتكما إنّي أحبّ رداكما.
أظنكما لا تعلمان مصيبتي،
لقد حل بين الوصل فيما أراكما.
وإنِّي لمُفنٍ دَمْعَ عَيْنِيَ بِالْبُكَا،
حذارًا لما قد كان أو هو كائن.
وما كنت أخشى أن تكون منيتي
بكفي إلا أن ما حان حائن.
وقالوا غدًا أو بعد ذاك بلية
فراق حبيب بان أو هو بائن.
أيا قبر ليلى لو شهدناك أعولت،
عليك نساءٌ من فصيحٍ ومن عجم.
ويا قبرَ ليلى أكْرِمَنَّ مَحَلَّهَا،
يكن لكَ ما عشنا علينا بها نعم.
ويا قبر ليلى إنَّ ليلى غريبةٌ
بأرضك لا خل لديها ولا ابن عم.
ويا قبر ليلى ما تضمنت قبلها
شبيهاً لليلى ذا عفاف وذا كرم.
ويا قبر ليلى غابت اليوم أمها،
وخالَتُها والحافظُونَ لها الذمَم.
وأجْهَشْتُ لِلتَّوْبَادِ حِينَ رَأيْتُهُ،
وهلّل للرحمن حين رآني.
وأذْرَيْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ لَمَّا رَأيْتُهُ،
ونادَى بأعْلَى صَوْتِهِ ودَعَانِي.
فَقلْتُ له أين الَّذيِنَ عَهِدتُهُمْ،
حواليك في خصب وطيب زمان؟
فقال: مضوا واستودعوني بلادهم،
ومن ذا الذي يبقى مع الحدثان؟
وأني لأبكي اليوم من حذري غدًا
فراقك والحيان مؤتلفان.
سِجَالاً وَتَهْتانًا ووَبْلاً ودِيمَةً،
وسَحًّا وتسْجَامًا إلى هَمَلاَنِ.
سنقدم أجمل قصائد أبو الحسن الجرجاني في الغزل:
من ذا الغزالُ الفاتنُ الطَّرفِ
الكاملُ البهجةِ والظَّرفِ؟
ما بالُ عينيهِ وألحاظهِ
دائبةٌ تَعْمَلُ في حَتفي؟
واهاً لذاك الورِد في خَدِّهِ،
لو لم يكن مُمتنعَ القَطفِ.
أشكو إلى قلبكَ يا سيَّدي،
ما يشتكي قلبي من طَرفي.
وما سلب الشمسَ الكسوفُ ضياءَها،
ولكنَّها سُدّت عليها المطالعُ.
وكم كُربةٍ كانت وسيلة فَرحةٍ،
وضرٍّ تُرَى في حافَّتَيه المنافعُ.
وليس ملوماً مَن تعالت هُمومُه،
إذا أنزلَته بالَحضِيضِ القوارِعُ.
هذا الهلالُ شبيهُهُ في حُسنهِ،
وبهائه كَلاَّ وفترةِ جفنِهِ.
هَبكَ ادَّعيتَ بهاءَه وضياءَه،
كيفَ احتيالك في تأَوُّدِ غصنِهِ.
لو لاحظتك جُفُونُه بِفُتُورِها،
أقسمتَ أنك ما رأيتَ كحُسنِهِ.
زمن التّقى اغرب ما عليك ملام،
تقوى المتيَّمِ لوعةٌ وغرام.
من يرتجي عدنًا بفضل تنسُّكٍ،
فالنّاس في سُبُلِ الهوى أقسام.
وتَوَلُّعي بمحمّدٍ وبآله،
حظّي ويا كلّ الحظوظ سَلاَمُ.
قل للعواذل فيهم أحسنتم،
إنّ الملامة في الغرام مُدام.
حاولتم بالعذل نزع محبّةٍ،
ثَمِلَتْ بها يوم الخطاب نِدَامُ.
عاقرتها صِرْفًا كما شاء الهوى،
ومزاجُها يا حبَّذا الأنغامُ.
فهناك لي طاب الشراب ولم يكن،
في كأسه لَغْوٌ ولا آثامٌ.
إن تطلبوا التقليد منّي في الهوى،
فلِمثليَ التَقْلِيدُ فيه حَرَامُ.
وضحت فصحَّت للفؤاد أَدِلَّةٌ،
حجبَتْكُمُ عن دركِهِنَّ سِقامٌ.
ونظرتُها والشّمسُ دون ضيائِها،
إذا أنتمُ كَلْمى الجفونِ نيامٌ.
وشممتُ عَرْفَ حديثِها وسمعتُه،
دُرًّا يغير الدُّرّ وهو نظامٌ.
للّه هم ومحاسنٌ خُصُّوا بها،
سَمَحَتْ بها الأيام وهي جهامٌ.
ومكارم هِمَمُ الزّمان قصيرةٌ،
عنها وألسنُهنّ والأقلام.
ماذا يقال لهم إذا قالوا بنا،
مُحِيَ الضّلالُ وكُسِّرَ الأصنام؟
مَنْ يَتَّبِعْ آثَارَنَا فَلَهُ الهنا،
دارُ النَّعيمِ ودينُه الإسلام.
هذا هو الشرف الأثيل فَلُذْ به،
لا ما سواه فإِنّه أوهامٌ.
واسنْفِذِ المقدور في تعظيمهم،
قَوْمٌ أَجَلَّهُم الكتابُ عِظَامُ.
واصْرِفْ لنجلهم السَّعيدِ محمدٍ،
وجهَ الثَّنا تَسْعَدْ لكَ الأيّامُ.
ذاك الذي وضحت محاسن نوره،
نورُ النبوّة واضحٌ بسّامٌ.
وتبيّنت في وجهه نَضَّارةٌ،
إنّ السعادة نضرةٌ وكلام.
جلّ الذي سوّاه حُسناً خالصاً،
فكأنّه لم تَحْوِهِ الأرحام.
لا تعجبوا فجمال أرباب العبا،
لجمال مولانا السّعيدِ قوامٌ.
أو تحسبوه جهالةً شمسَ الضّحى،
ولها على نقض الغروب ظلامٌ.
أحدث التعليقات