يعتبر الحب من أسمى المشاعر الإنسانية، فهو شعور يمنح شخصين التجانس والانسجام، حتى في غياب تفهم المحيطين بهم. إنه ذلك الإحساس الذي يجعلهم يجلسون معاً على مقعد واحد بالرغم من وجود العديد من الأماكن الفارغة، ويدفعهم للحديث لساعات دون انقطاع، ويُمكنهم من الاستمتاع بأبسط اللحظات، مثل تناول وجبة معاً في دفىء الشتاء، دون أن يشعروا بالبرد.
تولى الأدب والشعر الاهتمام بمشاعر الحب، لارتباطه الوثيق بالقلب، مما أدى إلى انتاج العديد من القصائد التي تروي حكايات المحبين، وتعكس حالاتهم العاطفية ومشاعرهم. وفيما يلي مجموعة من أجمل أشعار الحب.
الشاعر: أديب كمال
لأجل أن أستشعر عطر حرفكِ الغامض،
الذي يشبه عطر عشتار وبلقيس،
فإني مستعد لأن أحفر في أعماق قلبي،
مكتبة آشور بانيبال،
وأرتدي درع نبوخذ نصر وتجارب معاركه الغامضة،
وأروي للفقراء والمساكين،
ميزاتي بصفتي حمورابي العظيم.
لأجل أن أتذوق خفايا حرفكِ،
فإني مستعد للضياع،
كقبيلةٍ تفتك بها العطش في الصحراء،
كمدينة تمزقها زلزال غير متوقع،
كسحرة يتقاتلون بينهم.
لأجل أن أحتضن جوهر حرفك،
الذي يملأ النخيل،
فإني مستعد لألقي بنفسي في النهر،
كأي مراهق يقع في الحب لأول مرة،
ويضيع نفسه لأجل الحب الأقصى.
الشاعر: أبو نواس
أضرمْتَ نار الحب في قلبي،
ثم تبرأت من الذنب،
حتى إذا لَجَجتُ بحر الحب،
وارتفعت الأمواج في صدري،
أفشيتَ سرّي وتناسيتموني،
ما هكذا الإنصاف يا حبي،
هبني لا أستطيع دفع الحب عنّي،
أما تخشى من الرب؟
الشاعر: محمد مهدي الجواهري
عواطف الحب ما أروعها،
لقد هذبت طبعي وصفت خُلُقي،
حرائق تملأ روحي برقة،
لا أُنكر فضل تلك الحِرَق،
فقد مباهتُ في الحب،
لا بشوقي لأحد لم يشتق،
ثق بأن القلب لا يشغله،
ذكريات ليست ذكراك،
لا تدري بما عانيته،
كيف تعرف طعم ما لم تذق،
لم تترك مني إلا رمقاً،
وفداء لك حتى رمقي،
صباحي في الحزن لا أكرهه،
إنما أطيب منه ما يمر به المساء.
الشاعر: مفدي زكرياء
لقد أرقني الحب، واليأس أضناني، والفراق زاد من آلامي وأحزاني.
والروح في حب “ليلايَ” استحال دموعاً، فأمطرته شعري ووجداني.
أُسهر النجم والأكوان هامدةً تُصغي لأنيني بشوق وحنان.
كأن الغراب ليلاً ينحدر، روحي وقلبي بجنبيه جناحان.
نطوي صهوات الليل في شغف، ونراقب الطيف من آن إلى آن.
لك الحياة وما في الجسد من رمق، ومن دماءٍ ومن روح وجثمان.
لك الحياة، فجودي بالوصال، فما أحلى وصالك لي في قلبي ووجداني.
الشاعر: يحيى السماوي
ازعلي، فالزعل من فنون الغزل،
كم حبيب جفا، ثم لما وصل،
جاء مسترضياً خِلّه بالقُبَل.
يا حبيبي الذي بالنعاس اكتحل،
وغفا هانئاً بين طيب وطَل.
كم حبيب أتى وحبيب رحل،
وأنا ها هنا كبقايا طَل.
أرتدي بردة من خيوط الأمل،
اللظى في دمي والضنى في المقل.
إن قلبي على عهده لن يمل،
آه ما حيلتي؟ قد ختمت الحيل.
علتي أنني ليس بي من علل،
غير أن الهوى في فؤادي اشتعل.
فأنشري حلوتي خيمة من خصل،
وأزرعي في فمي روضة من قبل.
الشاعر: إلياس أبو شبكة
حين أقبلتِ والهوي فيكِ يحبو،
كان حبي يفنى وناري تخبو.
قلت لي بي أسى فهل منكِ نصح،
وبنفسي داء فهل منكِ طب؟
جئتِ تستوصينني في شؤون،
ما بها لي يد ولا لك ذنب.
قلت: إن كان للقوانين ربٌ،
مستبدٌ، أليس للقلب رب؟
قلت: هذا بيني وبينك حق،
إنما للورى فروضٌ وكتب.
ألقوانين سنها العقل في الناس،
فبين الضمير والعقل حرب.
إن بين السماء والأرض حربٌ،
قلت: حتى يصبح للناس قلب.
ومضت أشهرٌ وتلك الأحادي،
تدبُّ الهوي بها وترُب.
قلت لي مرةً: أتفهم قلبي؟
قلت: يا ستٍ، قلت ليلى أحب.
قلت: يا ليل كم خبرت قلوباً،
فبنفسى من ذاك الخبر حسب.
غير أني أرى بعينيك ما لم،
تره مقلّة وتلمسه لب.
أتكونين ذلك الملك الباقي؟
ولو جاء من جهنم خطب؟
أتكونين فيه ما لم تكن أُنثى،
وما لم يكن من الناس حب؟
فتأملتِ بي وقلت: وماضي،
ألم تبقَ منه نار تُشَبُّ؟
فأفاعي الفردوس ما زلن حيا،
وما زال سُمُهن يدب.
قلت: يا ليل. قلتِ: بعد الأفاعي،
جاء شعر مرطب الحب عذب.
صاحِ في عينيك صداح الأماني،
وعلى ثغرك حبي وحناني.
ما على الدنيا إذا عانت بنا،
ليس في الدنيا سوانا شاعران.
فاعصري قلبكِ في خمر دمي،
واجعلي الأيام في الكأس ثوانٍ.
واشربي مرشفي واهتفي،
نحن في أذن الزمان أغانٍ.
الشاعر: إبراهيم ناجي
جدّدي الحب واذكري لي الربيع،
إنني عشت للجمال تبيع.
أشتهي أن يلفّني ورق الأيكِ،
وأثوي خلف الزهور صريعاً.
آه درْ بي على الرفاق جميعاً،
واجعل الشمل في الربيع جميعاً.
لا تقولي أشتري المسرّة والجاه،
فإنني حسن الربيع لن أبيع.
فلغيري الدنيا وما في حماها،
إنني أعشق الجمال الرفيع.
أنا من أجله عصيت وعُذبت،
وأقسمت غيره لن أطيع.
وبطيب الربيع أقتات زهراً،
وعبيراً ولا أُكابد جوعاً.
فهو حسبي زاداً إذا عفت الدنيا،
وأقوت منازلاً وربوعاً.
الشاعر: يزيد بن معاوية
نالت على يدها ما لم تنله يدي،
نقشاً على معصم أوهت به جلدي.
كأنه طرق نمل في أناملها،
أو روضة رصعتها السحب بالبرد.
وقوس حاجبها من كل ناحية،
ونبل مقلة ترامي به كبدي.
مدت مواشطها في كفها شَرَكاً،
تَصيد قلبي بها من داخل الجسد.
إنسية لو رأتها الشمس ما طلعت،
من بعد رؤيتها يوماً على أحد.
سألتها الوصل، قالت: لا تغرَّ بنا،
من رام منا وصالاً مات بالكمد.
فكم قتيل لنا بالحب مات جوىً،
من الغرام، ولم يُبدِ ولم يعد.
فقلت: استغفر الرحمن من زلل،
إن المحب قليل الصبر والجَلَد.
قد خلفتني طرِيحاً وهي قائلة،
تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد.
قالت: لطيف خيال زارني ومضى،
بالله صفه ولا تنقص ولا تزد.
فقال: خلفتك لو مات من ظمأ،
وقلت: قف عن ورود الماء لم يَرِد.
قالت: صدقت، الوفا في الحب شيمته،
يا برد ذاك الذي قالت على كبدي.
واسترجعت سألت عَني، فقيل لها:
ما فيه من رمق، ودقّت يداً بيد.
وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت،
ورداً، وعضت على العناب بالبرد.
وأنشدت بلسان الحال قائلةً:
من غير كره ولا ملل ولا مدد.
إن يحسدوني على موتي، فوا أسفي،
حتى على الموت لا أخلو من الحسد.
الشاعر: جميل بثينة
زوروا بثينة، فالحبيب مزورٌ،
إن الزيارة للمحب يسير.
إن الترحّل أن تلبس أمرنا،
وأعتاقنا قدرٌ أُحمَّ بُكُور.
إني عشية رحت وهي حزينة،
تشكو إليّ صبابةً لصبور.
وتقول: بت عندي فديتك ليلةً،
أشكو إليك، فإن ذاك يسير.
غرّاءُ مِبسامٌ كأن حديثها،
دُرٌّ تحدر نظمُه منثور.
محطوطة المتنين، مُضمّرة الحشا،
ريا الروادف، خلقُها مَكُور.
لا حسنها حسنٌ، لا كدلالها،
دلٌ، ولا كوقارها توقير.
إن اللسان بذكرها لموكل،
والقلب صادٍ والخواطرُ صُور.
ولئن جَزَيتِ الودَّ منّي مثلَهُ،
إنّي بذلك، يا بثين، جدير.
أحدث التعليقات