تحكي هذه القصة عن الصحابي سواد بن غزية الأنصاري في غزوة بدر. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفقد المجاهدين ويقوم بتسوية الصفوف، وقد تقدم سواد خطوة عن باقي الجنود مما أثر على استواء الصف. قام النبي -عليه الصلاة والسلام- بإرجاعه إلى الوراء باستخدام سهم بلا نصل كان يحمله لتعديل الصفوف. فتوجه سواد إلى الرسول مُعربًا عن الألم الذي تسبب له به وطلب منه القصاص.
لم تغضب هذه الشكوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل أظهر الرحمة وتقبل الموضوع، إذ كشف عن بطنه وطلب من سواد أن يأخذ حقه ويضربه بالسهم كما فعل. بدلاً من ذلك، قام سواد بتقبيل بطن الرسول الشريفة. وعندما استفسر النبي عن هذا الفعل، أجاب سواد بأنه أراد أن يكون آخر عهده في هذه الدنيا هو لمس جسد الرسول -صلى الله عليه وسلم-. دعا له النبي بالخير بعد ذلك.
وقد وردت هذه الحادثة في السنة النبوية بإسناد حسن، حيث ثبت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بتعديل الصفوف يوم بدر وفي يده قدح يقوم بتعديل القوم، ولما مر بسواد بن غزية مائلًا عن الصف طعنه بالقدح، وقال: استوِ يا سوادُ، فأجابه بأنه أوجعه وطلب القصاص، فبادره الرسول بالكشف عن بطنه ليفي له بالطلب. فرغم ذلك، عانقه سواد وقبّل بطنه، مما أدهش النبي الذي سأل عن سبب ذلك. جاء رد سواد الرباني أنه كان يريد أن يكون آخر عهده التواصل مع الرسول، فدعاه النبي بالخير).
تظهر هذه الحادثة أهمية الترابط والتواضع بين القائد وجنوده، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الصحابي سواد، وتبرز حاجة القائد إلى التحلي بالعدل والأخلاق الحميدة مثل الصبر، والحلم، والتسامح تجاه الآخرين.
كان الصحابي زاهر الأسلمي -رضي الله عنه- أعرابيًا يحرص على إحضار الهدايا للنبي -صلى الله عليه وسلم- كلما زار المدينة. كان النبي يُبادل زاهر الهدايا ويقول: (زاهِرٌ بادِيَتُنا ونحنُ حاضِرَتُه). في أحد الأيام، رأى النبي زاهرًا في السوق وهو غافل عنه، فتقدم من خلفه واحتضنه، مازحًا إياه قائلاً: (من يشتري هذا العبد)؟ فالتفت زاهر ليجد النبي خلفه.
ألصق زاهر ظهره بنبي الله وسأله: هل تجدني كاسدًا يا رسول الله، ظنًا منه أن قبح مظهره يُعطي انطباعًا سيئًا. فأجابه النبي بأنّه غالٍ عند الله -تعالى-. رواها أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم زاهر وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من الخلف وهو لا يراه، فقال: أرسلني، من هذا؟ وعندما علم بأنه النبي، التصق به وقال النبي: من يشتري هذا العبد؟ قال زاهر: هل تجدني كاسدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد).
يظهر من هذه القصة حب الرسول مازحته لأصحابه ورغبته في إدخال السرور على قلوبهم، حيث وُصف النبي بالبشاشة وكثرة الابتسامات. وقد أخرج الإمام الترمذي -رحمه الله- عن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- أنه قال: (ما رأيت أحدًا أكثر تَبَسُمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم). ومع ذلك، كان -عليه الصلاة والسلام- يتحلى بالصدق حتى أثناء المزاح.
ذات يوم، زار النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت أنس بن مالك -رضي الله عنه- بينما كان قد نام وقته الظهيرة. وهو نائم، كان يتعرق، فتقدمت أم أنس -رضي الله عنها- بقارورة لجمع عرقه. ولما استفاق النبي -صلى الله عليه وسلم- سألها عن ذلك، فأخبرته أنها تحتفظ به لوضعه في طيبهم لأنه أطيب الطيب.
وقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- هذه الحادثة في صحيحه على لسان أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: (دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وننام، فتعرق، وجاءت أمي بقارورة تجمع العرق فيها، فلما استفاق رسول الله سأل: ما هذا يا أم سليم؟ قالت: نأخذ عرقك لنضعه في طيبنا، وهو من أطيب الطيب). وكان عرق النبي -صلى الله عليه وسلم- يتميز برائحة عطرية كالمسك.
هاجر رسول الله مع صاحبه أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- عندما أذن الله لهما بذلك. وعندما علمت قريش بخبر الهجرة بدأت بملاحقتهما، فما كان منهما إلا أن اختبأ في الغار. وقد هيأ الله لهما المكان ليبقى بعيدًا عن أعين المشركين. لكن أبو بكر انتابه شعور الخوف وقال له النبي: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟
استرخى أبو بكر لكلام النبي وبقيا في الغار ثلاثة أيام قبل أن يواصلان سيرهما إلى المدينة. وقد روى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- تلك الواقعة قائلاً: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ورأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله، إذا نظر أحدهم من تحت قدميه سيرانا، فقال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
هناك عدة أسباب تساهم في تعزيز محبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها:
أحدث التعليقات