تعتبر أقوال وأشعار محمود درويش من الأعمال الأدبية التي تركت تأثيرًا عميقًا في نفوس العديد من الكتاب والأدباء والمثقفين، وحتى بين الجمهور العام. فقد أضاف جمال الإبداع والبلاغة إلى نصوصه الفريدة التي تمنح القارئ متعة خاصة، حيث يتميز بقدرة فائقة على التعبير عن الحب ومجموعة متنوعة من المشاعر الإنسانية. في ضوء شهرة الشاعر العظيم محمود درويش واهتمامه بتقديم النصوص الممتعة، سأدعوكم اليوم لأخذ جولة لاستكشاف عالم كلماته الملهمة.
محمود درويش هو شاعر فلسطيني بارز، يُعتبر من أبرز المجددين في الأدب العربي. قدّم درويش من خلال شعره استعارات ورموزًا تعكس معاني عميقة، كما تضمن أعماله إشارات تاريخية ودينية وأساطير غنية. استطاع أن يؤثر بثقافته في مجالات أدبية واسعة ويكشف عن ارتباط قلمه بالقضايا الإنسانية العديدة، وقد تُرجمت أشعاره إلى عدة لغات عالمية.
تميز محمود درويش كواحد من الشعراء المعاصرين كونه يعد من أبرز أدباء المقاومة، فضلًا عن حبه للرومانسية الذي جعل منه شاعر المرأة. استطاع أن يعبر في قصائده عن تجربة شعبية تمتاز بالقوة وتظهر معاناته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حتى أن البعض أطلق عليه لقب شاعر الجرح الفلسطيني. على مدار أربعين عامًا، ظل يتحدث من خلال أكثر من ثلاثين ديوانًا عن تلك المعاناة، بالإضافة إلى تأليفه حوالي ثمانية كتب أضافت مزيدًا من الجمال إلى تاريخه الأدبي.
أقوم بنقل حبي إليك من عامٍ إلى عام.
كما ينقل الطالب فروضه المدرسية إلى دفترٍ جديد.
أنقل صوتك، ورائحتك، ورسائلك.
ورقم هاتفك وصندوق بريدك.
وأعلقها في خزانة العام الجديد.
وأمنحك تذكرة إقامة دائمة في قلبي.
إنني أحبك.
ولن أتركك وحدك على ورقة 31 ديسمبر أبدًا.
سأحملك على ذراعي.
وأتنقل بك بين الفصول الأربعة.
في الشتاء سأضع على رأسك قبعة صوف حمراء.
كي لا تبردي.
وفي الخريف سأعطيك المعطف الوحيد الذي أمتلكه.
كي لا تتبللي.
وفي الربيع، سأتركك تنامين على الحشائش الطازجة.
وتتناولين الإفطار مع الجنادب والعصافير.
وفي الصيف، سأشتري لك شبكة صيدٍ صغيرة.
لتصطاد المحار وطيور البحر، والأسماك المجهولة.
إنني أحبك.
ولا أريد أن أربطك بذاكرة الأفعال الماضية.
ولا بذاكرة القطارات المسافرة.
فأنت القطار الأخير الذي يسافر ليلاً ونهارًا.
فوق شرايين يدي.
أنت قطاري الأخير.
وأنا محطتك الأخيرة.
إنني أحبك.
ولا أريد أن أربطك بالماء أو الريح.
أو بالتاريخ الميلادي أو الهجري.
ولا بحركات المد والجزر.
أو ساعات الخسوف والكسوف.
لا يهمني ما تقوله المراصد.
وخطوط فناجين القهوة.
فعيناك وحدهما هما النبوءة.
وهما المسؤولتان عن فرح هذا العالم.
أحبك.
وأحب أن أربطك بزمني وبطقسي.
وأجعلك نجمةً في مداري.
أريدك أن تأخذي شكل الكلمة.
ومساحة الورقة.
حتى إذا نشرت كتابًا وقرأه الناس.
عثروا عليك كالوردة في داخله.
أريدك أن تأخذي شكل فمي.
حتى إذا تكلمت.
وجدك الناس تستحمين في صوتي.
أريدك أن تأخذي شكل يدي.
حتى إذا وضعتها على الطاولة.
وجدك الناس نائمةً في جوفها.
كفراشةٍ في يد طفل.
إنني لا أحترف طقوس التهنئة.
إنني أحترف العشق.
وأحترفك.
يتجول هو فوق جلدي.
وتتجولين أنت تحت جلدي.
وأما أنا.
فأحمل الشوارع والأرصفة المغسولة بالمطر.
على ظهري وأبحث عنك.
لماذا تتآمرين علي مع المطر ما دمت تعرفين؟
أن كل تاريخي معك مقترنٌ بسقوط المطر.
وأن الحساسية الوحيدة التي تصيبني.
عندما أشم رائحة نهديك.
هي حساسية المطر.
لماذا تتآمرين علي ما دمت تعرفين.
أن الكتاب الوحيد الذي أقرؤه بعدك.
هو كتاب المطر.
إنني أحبك.
هذه هي المهنة الوحيدة التي أتقنها.
ويحسدني عليها أصدقائي وأعدائي.
قبلك كانت الشمس والجبال والغابات.
في حالة بطالة.
واللغة بحالة بطالة والعصافير بحالة بطالة.
فشكرًا لك لأنك أدخلتني المدرسة.
وشكرًا لك لأنك علمتني أبجدية العشق.
وشكرًا لك لأنك قبلت أن تكوني حبيبتي.
عابرون في كلام عابر.
أيها المارون بين الكلمات العابرة.
احملوا أسماءكم وانصرفوا.
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا.
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة.
وخذوا ما شئتم من صورٍ كي تعرفوا.
أنكم لن تعرفوا.
كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء؟
أيها المارون بين الكلمات العابرة.
منكم السيف – ومنَّا دمنا.
منكم الفولاذ والنار – ومنَّا لحمنا.
منكم دبابة أخرى – ومنا حجر.
منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر.
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء.
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا.
وادخلوا حفل عشاء راقصٍ.. وانصرفوا.
وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء.
وعلينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء!
أيها المارون بين الكلمات العابرة.
كالغبار المُرّ مرّوا أينما شئتم ولكنْ.
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة.
فلنا في أرضنا ما نعملُ.
ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا.
أحدث التعليقات