يعد أبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجرَّاح بن هلال بن أهيب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النَّضر. والدته هي أميمة بنت غنم بن عبد العُزَّى، ويجتمع هو ووالدته في النسب عند الحارث بن فهر. يُعرف بلقب أبي عبيدة، الذي أصبح أكثر شهرة من اسمه. تمت الإشارة إليه بنسبته إلى جده، حيث ينادونه بأبو عبيدة بن الجرَّاح. أثنى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولقبه بأمين الأمَّة. كان معروفًا في الجاهلية بالحكمة والفطنة، حيث كان يعتبر من أذكى الرجال في قريش، وقد قال الناس: “داهِيَتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجرَّاح”، مما يعكس هوية الحكمة والرأي السديد. كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الناسُ مَعادِنُ خِيارُهم في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا).
عندما بعث الله -تعالى- سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام، آمن به سيدنا أبو بكر الصدِّيق -رضي الله عنه- وانطلق مع رسول الله لدعوة الناس إلى الإسلام بشكل سري. شعر بالفرح عندما التقى بأبي عبيدة، حيث قام بشرح الدين الإسلامي له، فاكتسب قبوله واستجابته. توجه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برفقة عدد من الصحابة الآخرين، وشرح لهم التعاليم الإسلامية، ليُسلم جميعهم في غضون تلك اللحظة. كان ذلك في بداية الدعوة قبل أن يدخل رسول الله إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم.
في ذلك الوقت، كان عمر أبو عبيدة يبلغ خمسة وعشرين عامًا، مما يُظهر دخوله الإسلام برغبته الحرة. وهذا العمر يعني أن لديه القدرة الكافية على اتخاذ قراراته بدون أي إغراء، فقد وجد في الإسلام الحقيقة التي كان يبحث عنها، ليقدم التضحيات متبعًا قول الله -تعالى-: (قُل إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ دينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفًا وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ). ورغم عدم وجود ترتيب دقيق لأبي عبيدة بين الذين أسلموا في البداية، ذكر ابن هشام في سيرته أنه أسلم بعد أوَّل ثمانيةٍ من المسلمين على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
يتسم الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- بعدد من الصفات النبيلة، ومنها:
عندما شهد أبو عبيدة حصار العدو في الشام، كتب إليه عمر -رضي الله عنه- يحث فيه على الصبر والثبات، فكان رد أبو عبيدة يعبر عن عمق معرفته، واحتوائه على الحكمة في مواجهة الأزمات.
يمتلك أبو عبيدة العديد من الفضائل، منها:
تعرض أبو عبيدة لضغوط عديدة خلال مشاركته في غزوات عدة. كما عُيِّن والياً على عدد من المناطق بعد أن عزل خالد بن الوليد -رضي الله عنه-. عُرف عنه أنه فتح الكثير من بلاد الشام.
أسس خلال فترة حكمه العديد من قواعد الجهاد، وترك بصماته في الفتوحات الإسلامية، وكان له دور بارز في الغزوات المختلفة التي شهدها المسلمون.
توفي أبو عبيدة أثناء انتشار الطاعون في بلاد الشام، والذي حدث في السنة الثامنة عشر من الهجرة. كان حينها يتصرف كقائد ولا يمكنه مغادرة موقعه، على الرغم من مرض الطاعون الذي أصابه.
رفض مغادرة قومه أو تركهم في هذا الوقت العصيب، حتى أُصيب بالطاعون وبعد ذلك، كتب وصية نصح فيها بعرض الأمانات وإقامة الشعائر الإسلامية، وآهمية الزهد. توفي قبل وصوله إلى بيت المقدس، مما أثر بشكل عميق على المجتمع المسلم آنذاك.
بعد وفاته، وقف معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ليُعبر عن فقدانهم الكبير لأبي عبيدة، بينما أظهر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أسفه العميق على فقد هذا القائد العظيم، مؤكداً على أن إدارته ستكون كما أراد. توفي أبو عبيدة عن عمر يناهز الثمانية والخمسين عامًا.
أحدث التعليقات