أبرز قصائد الشاعر محمود درويش

رسالة من المنفى

لقد تجاوزت العشرين من عمري

وأنا في شباب كأقراني، يا أماه

سألني صديقي: “هل لديك رغيف؟”

يا إخوتي، ما قيمة الإنسان

إذا كان ينام كل ليلة… جائعاً؟

أنا بخير

أنا بخير

لدي رغيف أسمر

وسلة صغيرة من الخضار

سمعت عبر المذياع

يقول الجميع: نحن بخير

لا أحد حزين؛

فما حال والدي؟

هل لا يزال كما كان، يحب ذكر الله

والأبناء… والتراب… والزيتون؟

كيف حال إخوتي؟

هل أصبحوا موظفين؟

سمعت والدي يقول ذات يوم:

سيصبحون جميعهم معلمين…

سمعته يقول

أجوع حتى أشتري لهم كتاباً

لا أحد في قريتي يعلم شيئاً عن الكتابة

ماذا عن أختنا؟

هل كبرت… وتلقت خطّاباً؟

كيف حال جدتي؟

هل لا تزال تجلس عند الباب؟

تدعو لنا

بالخير… والشباب… والثواب!

وما حال بيتنا؟

والعتبة الملساء… والوجاق… والأبواب!

سمعت عبر المذياع

رسائل المشردين… للمشردين

الجميع بخير!

لكنني أشعر بالحزن…

تثقلني الظنون

فلم يحمل المذياع خبراً عنكم…

ولو كان حزناً

ولو كان حزناً

أجمل حب

كما ينمو العشب بين شقوق الصخور

وُجدنا غريبين يوماً ما

وكانت سماء الربيع تزيّن نجماً… وآخر

كنت أكتب عشقاً… لعينيك، وغنّيتها!

هل تعلم عيناك أنني انتظرت طويلاً

كما ينتظر الصيف طائرًا

ونمت… كنوم المهاجر

فعين تنام لتستيقظ عين… طويلاً

وتبكي على أختها،

نحن حبيبان، حتى ينام القمر

نعلم أن الصباح ينادي خطواتنا لكي نستمرّ

في درب جديد!

نحن صديقان، فسيري بجواري يداً بيد

معاً نصنع الأخبار والأغاني

لماذا نسأل هذا الطريق… ما مصيره؟

ومن أين جمعنا أقدامنا؟

فحسبك، وحسبك أنا نسير…

معاً، للأبد

لماذا نفتش عن أغاني البكاء

في ديوان شعر قديم؟

ونسأل، يا حبنا! هل ستستمر؟

أحبك حب القوافل واحة من العشب والماء

وحب الفقير الرغيف!

كما ينمو العشب بين شقوق الصخور

وجدنا غريبين يوماً ما

ونبقى رفيقين دائماً

وعاد في كفن

يحكون في بلادنا

يحكون بشجن

عن صديقي الذي رحل

وعاد في كفن

كان اسمه…

لا تذكروا اسمه!

اتركوه في قلوبنا…

لا تدعوا الكلمة

تضيع في الهواء كالغبار…

اتركوه جرحاً نازفاً… لا يعرف الضماد

طريقه إليه…

أخاف يا أحبتي… أخاف يا أيتام…

أن ننساه بين زحمة الأسماء

أخاف أن يضيع في عواصف الشتاء!

أخاف أن تنام في قلوبنا

جراحنا…

أخاف أن تنام!!

العمر… كالبرعم الذي لا يذكر المطر…

لم يبكِ تحت شرفة القمر

لم يوقف الساعات بالسهر…

وما تداعت عند حائط يديه…

لم يعرف الغزل

إلا أغاني فنان ضيعه الأمل

كان الفتى صغيراً…

فغاب عن دربها

ولم يفكر في الهوى كثيراً…!

إلى أمي

أحنّ إلى خبز أمي

وقهوة أمي

ولمسة أمي

وتكبر في الطفولة

يومًا بعد يوم

وأعشق عمري لأنني

إذا متّ،

أخجل من دموع أمي!

خذيني، إذا عدت يوماً

وشاحاً لهدبك

وغطّي عظامي بعشب

يُعمد من طهر كعبك

وشدّي وثاقي..

بخصلة شعر

بخيط يلوح في ذيل ثوبك..

عساي أن أصبح إلهاً

إذا ما لمست أعماق قلبك!

ضعيني، إذا ما عدت

وقوداً في تنور نارك..

وحبل غسيل على سطح دارك

لأنني فقدت الوقوف

بدون صلاة نهارك

هرمت، فردّي نجوم الطفولة

حتى أشارك

صغار العصافير

درب العودة…

لانتظارك!

Published
Categorized as قصائد عربية