تبرز النظريات المعرفية كعنصر أساسي في علوم النفس، وقد تساهمت مجموعة من العلماء على مر الزمن في تطويرها، مما أدى إلى إدراجها في المناهج الدراسية الحالية.
النظريات المعرفية
تركز النظرية المعرفية على مصادر المعرفة مثل الانتباه، الفهم، الذاكرة، استقبال المعلومات، ومعالجتها.
إن إدراك المتعلم لكيفية اكتساب المعرفة وما تعلمه يزيد من فعالية أنشطته الميتامعرفية.
كما يمكن أن يؤدي هذا النوع من النشاط والتجربة إلى تغييرات إيجابية في سلوك الفرد.
ترتبط النظرية المعرفية بالبنية المعرفية من خلال التمايز، التنظيم، الترابط، التكامل، الكمية، الجودة، والاستقرار النسبي.
أبرز النظريات المعرفية وتصنيفاتها
تشمل النظريات المعرفية الرئيسية أربع نظريات أساسية، وهي:
- نظرية التطور المعرفي لجان بياجيه.
- نظرية فيجوتسكي في السياق الاجتماعي والثقافي.
- نظرية معالجة المعلومات.
- نظرية التعلم من خلال الاكتشاف.
سنتناول هذه النظريات بالتفصيل في الأقسام التالية.
نظرية التطور المعرفي لبياجيه
تشير نظرية جان بياجيه إلى أن الذكاء يتطور مع نمو الأطفال، حيث يتضمن التطور المعرفي بناء نموذج عقلي لفهم العالم.
يتحقق التطور المعرفي من خلال تفاعل القدرات الفطرية مع التجارب البيئية، ويتعرض الأطفال لتسلسل محدد من المراحل.
تشمل مراحل بياجيه:
- المرحلة الحسية الحركية: من الولادة حتى 18-24 شهرًا.
- مرحلة ما قبل العمليات: من 2 إلى 7 سنوات.
- مرحلة التفكير المادي: من 7 إلى 11 سنة.
- مرحلة التفكير المجرد: من 12 سنة فما فوق.
المرحلة الحسية الحركية (من الولادة حتى 18-24 شهرًا)
تشمل الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:
- يتعلم الرضيع عن العالم من خلال حواسه وأفعاله، مما يمكّنه من استكشاف بيئته.
- تتطور مجموعة من القدرات المعرفية مثل دوام الكائن، والتقدير الذاتي، والتقليد المؤجل، واللعب التمثيلي.
- يظهر أيضًا ظهور الوظيفة الرمزية العامة، والتي تعني القدرة على تمثيل العالم ذهنيًا.
- بحلول عمر ثمانية أشهر، يفهم الرضيع أن الأشياء تستمر في الوجود حتى لو لم يكن قادرًا على رؤيتها، وسيبحث عنها عند اختفائها.
مرحلة ما قبل العمليات (2-7 سنوات)
تتضمن الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:
- يبدأ الأطفال في تمثيل العالم داخليًا من خلال اللغة والصور الذهنية.
- يمكن للأطفال التفكير في الأشياء بشكل رمزي، مما يعني أن شيئًا واحدًا يمكن أن يمثل شيئًا آخر.
- يهيمن الشكل الظاهري للعالم على تفكير الطفل، حيث يفتقر إلى القدرة على التفكير المنطقي.
- تظهر في هذه المرحلة أيضًا ظاهرة الروحانية، حيث يعتقد الأطفال أن الأشياء غير الحية لها حياة ومشاعر كالبشر.
مرحلة التفكير الواقعي أو المادي (7-11 سنة)
تشمل الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:
- يبدأ الأطفال في التفكير المنطقي حول الأحداث المحسوسة.
- يفهم الأطفال مفهوم الحفظ، أي أنهم يدركون أن الخصائص قد تبقى ثابتة على الرغم من تغيّر المظاهر.
- يمكن للأطفال عكس الأشياء ذهنيًا خلال هذه المرحلة.
- يصبح الأطفال أقل تمركزًا حول الذات، ويدركون كيفية تفكير الآخرين ومشاعرهم.
مرحلة التفكير المجرد (12 سنة فما فوق)
تتضمن الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية:
- يتم إجراء العمليات المجردة على الأفكار بدلاً من الأشياء، مع تحرر التفكير من القيود المادية والإدراكية.
- يمكن للمراهقين التعامل مع الأفكار المجردة وتصور النتائج المحتملة لمواقف معينة.
- يمكنهم استنباط الحجج واستكشاف الحلول لمشكلات افتراضية.
نظرية فيجوتسكي الاجتماعية والثقافية
تعتبر النظرية الاجتماعية والثقافية نموذجًا نفسيًا يركز على أهمية المجتمع في التنمية الفردية.
تؤكد هذه النظرية على التفاعل بين التنمية البشرية والثقافة المحيطة.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر أن التعلم هو عملية اجتماعية بامتياز.
أفكار فيجوتسكي في النظرية الاجتماعية الثقافية
- تستند النظرية الاجتماعية والثقافية إلى أعمال عالم النفس ليف فيجوتسكي، الذي يرى أن دور الأهل والرفاق والثقافة بشكل عام يعد حاسمًا في تطوير المهارات المعرفية المتقدمة.
- يعتبر فيجوتسكي أن التعلم يحدث من خلال التفاعل الاجتماعي، حيث يتم دمج المعلومات على المستوى الفردي بعد ذلك.
- يشير أيضًا إلى أن الأطفال يولدون مع قيود بيولوجية داخلية، لكن كل ثقافة تقدم “أدوات التكيف الفكري” التي تساعد الأطفال على استخدام قدراتهم.
- على سبيل المثال، قد تركز ثقافة معينة على استراتيجيات الذاكرة مثل تدوين الملاحظات، بينما قد تعتمد أخرى على أساليب مثل التذكير أو الحفظ عن ظهر قلب.
منطقة التطور القريب
- يعتبر مفهوم “منطقة التطور القريب” أساسيًا في النظرية، حيث يتم توجيه التعلم من قبل الكبار أو بالاشتراك مع الزملاء الأكثر كفاءة.
- تشمل هذه المنطقة جميع المعارف والمهارات التي لا يستطيع الفرد فهمها أو القيام بها بشكل مستقل، ولكنه يمكن أن يكتسبها تحت التوجيه.
- يمكن الأطفال من خلالها توسيع مهاراتهم ومعرفتهم من خلال مراقبة الأشخاص الأكثر تقدمًا.
الاختلافات الرئيسية بين بياجيه وفيجوتسكي
- يركز فيجوتسكي على تأثير العوامل الاجتماعية على التنمية، بينما يسلط بياجيه الضوء على التأثيرات الناتجة عن تفاعلات الأطفال واكتشافاتهم.
- يشدد فيجوتسكي على أهمية التفاعلات الاجتماعية في التطور المعرفي، في حين يعتبر بياجيه النمو عالميًا إلى حد كبير.
- على عكس بياجيه، الذي افترض مسار تطور موحد، يؤكد فيجوتسكي أن التعلم والمحتوى يمكن أن يختلفا باختلاف الثقافات.
- كما يشير ديفيد شافير في كتابه “التنمية الاجتماعية والشخصية” إلى أن الثقافات تقدم اختلافات فريدة تؤثر في مسار ونمط التطور الفكري.
نظرية معالجة المعلومات
- تعتبر نظرية معالجة المعلومات نموذجًا معرفيًا يركز على كيفية ترميز المعلومات في الذاكرة.
- تصف النظرية كيف تقوم الأدمغة بتصفية المعلومات بدءًا من ما نوليه أهمية إلى ما يُخزن في الذاكرة قصيرة المدى ثم طويلة المدى.
- تشمل هذه العملية استخدام الذاكرة الحسية لإدراك الأشياء في لحظة معينة، والذاكرة قصيرة المدى لتذكر أحداث لفترة قصيرة، بينما يتم تخزين الذكريات في الذاكرة طويلة المدى بشكل دائم.
تاريخ نظرية معالجة المعلومات
- تم تطوير نظرية معالجة المعلومات على يد علماء النفس الأمريكيين، بما في ذلك جورج ميلر في خمسينيات القرن الماضي.
- قد تمت المقارنة بين الدماغ البشري والكمبيوتر، حيث يعتبر “الإدخال” هو المعلومات المدخلة.
- بينما تمثل وحدة المعالجة المركزية الذاكرة قصيرة المدى، فإن القرص الصلب يرمز إلى الذاكرة طويلة المدى.
- تصف العمليات المعرفية كيفية فرز وتصفية المعلومات لتحديد البيانات المهمة ومن ثم تخزينها.
- تشمل العمليات المعرفية كل من التفكير، والإدراك، والتذكر، والتحديد، وحل المشكلات.
فائدة نظرية معالجة المعلومات للمنظمات
تعتبر نظرية معالجة المعلومات إطار عمل فعّال لتنظيم تدريب الشركات، حيث تضمن أن يمتلك المتعلمون قدرًا أكبر من الفهم الدائم للمحتوى.
كما تساعد على التأكد من أن المعرفة تتنقل إلى الذاكرة طويلة المدى للاستخدام عند الحاجة.
نظرية التعلم عن طريق الاكتشاف لبرونر
- ابتكر برونر هذه النظرية مع الاعتقاد بأن التعلم عن طريق الاكتشاف يحفز المتعلمين بشكل كبير.
- يستطيع المتعلم من خلال استفساراته الوصول إلى المعلومات وتكوين الأفكار.
- تولي النظرية اهتمامًا أكبر لأسلوب اكتساب المعرفة مقارنة بالمحتوى نفسه.
- يشتهر برونر أيضًا بمنهج الدراسة الحلزونية، حيث يتعمق المتعلمون في دراسة الظواهر كلما ارتقوا عبر المراحل التعليمية.
- على الرغم من أهمية أفكار برونر، إلا أن هذه النظرية قد لا تناسب جميع الأشكال التعليمية، وخصوصًا تلك التي تتطلب استجابات معينة.
أحدث التعليقات