حقق معاوية بن أبي سفيان مكانة مرموقة وتمتع بشرف عظيم؛ حيث نال صفة الصحبة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- واختاره ليكون أحد كتّاب الوحي، وعُهد إليه بهذه المهمة. إضافةً إلى ذلك، شارك في الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام، حيث كان له دور قيادي بارز.
تم فتح العديد من البلدان على يديه، وعندما قتل عثمان بن عفّان، كان من أول المطالبين بمعاقبة قاتليه، واستمر في الدفاع عن حقه. بعد مقتل عليّ بن أبي طالب، بايعه المسلمون ليصبح الخليفة، مما أتاح له القيام بعدد من الأعمال الخيّرة، علماً بأنه يمت بصلة قرابة إلى أم المؤمنين أم حبيبة، حيث يعد خال المؤمنين.
توافق المؤرخون على أن معاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت كانا من أقرب الصحابة الذين عاصروا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وكتبا عنه الوحي وغيرها من الأمور. وثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (ادْعُ لي معاويةَ، وكان كاتبَه).
عُهد إلى معاوية كتابة الرسائل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والعرب البدو. حيث أشار البلاذري إلى أنه كتب رسالة للنبي في عام الفتح، في حين ذكر المسعودي كتابته له قبل وفاته بعدة أشهر، وذكر ابن عباس أنه كان كاتباً للوحي.
لقد شارك معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- في العديد من الغزوات والمعارك، ومن أبرزها:
أدرك معاوية بن أبي سفيان أهمية حماية الشواطئ الإسلامية من التهديدات المستمرة من البيزنطيين، وكان يسعى لفتح سواحل بلاد الشام مثل صور، عكا، صيدا، وبيروت، منذ عهد الخليفة أبي بكر الصديق، ثم في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-.
لكن الأمر كان صعباً بسبب الحصون القوية للسواحل، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد أبدى استياءً من محاولة خوض البحر خشية على المسلمين. وعندما تولى عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- الحكم، عُرض الأمر عليه أيضاً، وقد رفض في بادئ الأمر، لكن معاوية أصرّ حتى وافق واشترط أن يكون كل من يعمل معه في هذا المشروع برضاه دون إكراه، وبدأ فعلياً بإنشاء أول أسطول بحري إسلامي.
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد عين يزيد بن أبي سفيان والياً على الشام بعد إرساله مع عدد من القادة مثل شرحبيل بن حسنة، وأبي عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد -رضي الله عنهم- لفتح الشام. وعندما توفي يزيد، عُيّن معاوية بدلاً منه.
كان معاوية قد عارض أباه بشكل قوي قبل الإسلام، لكن تعيين عمر له كان بناءً على استحقاقه للمنصب وليس لمناصرته. وقد استمرت ولايته على الشام لمدة عشرين عاماً، تلاها عشرون عاماً كرئيس لها، حيث أحبّه السكان بعمق نظراً لمعاناته لهم وحرصه على توطيد العلاقة بينهم.
أسس معاوية بن أبي سفيان الدولة الأموية في العام الحادي والأربعين من الهجرة، وجعل دمشق عاصمة لها. وقد اتسعت دولته لتشمل شبه الجزيرة العربية، العراق، أراضي الدولة الساسانية القديمة، الشام، مصر، وتونس الحالية، كما أقدم الجيش الأموي على الفتوحات وصولاً إلى الصين شرقاً وشبه جزيرة إيبيريا غرباً.
تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه الفتوحات لم تكن عسكرية تهدف للسيطرة على البلدان ونهب ثرواتها، بل كانت فتوحات دينية، لغوية، وثقافية، حيث سعت لنشر اللغة العربية والإسلام في تلك البلدان. وقد شهدت تلك المناطق نهضة فكرية وحضارية لم يسبق لها مثيل.
كان معاوية بن أبي سفيان من الذين صحبوا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة، مما ساهم في روايته للعديد من الأحاديث. وإلى جانب ذلك، فإنه كان صهراً للنبي وكاتباً له، مما جعل لديه رصيداً علمياً وفيراً، حيث بلغت رواياته عن النبي 163 حديثاً، ومن بينها:
أحدث التعليقات