لقد عزّز الإسلام مفهوم النّصيحة وجعلها إحدى الحقوق الأساسية التي يجب على المسلم الالتزام بها تجاه أخيه المسلم، إذ منحها مكانة راقية تتجلى في الأجر والثواب. وقد أكدت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية على ضرورة التناصح بين المسلمين وتعاونهم، حيث أوجبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). كما أن للنّصيحة ضوابط وآدابٌ يجب مراعاتها، ولها آثار إيجابية تنعكس على النّاصح والمنصوح، وأيضًا على المجتمع ككل.
تتطلب النصيحة مجموعة من الآداب التي ينبغي للناصح الالتزام بها، وفيما يلي بعض هذه الآداب:
يجب على الناصح أن يختار اللحظة المناسبة لتقديم نصيحته، حيث أن القيام بذلك أمام الجمهور قد يعتبر توبيخًا للمنصوح ويؤدي إلى إحراجه، مما يجعل القبول أصعب. ولذا قيل إن النصيحة العلنية تُعد بمثابة فضيحة.
من المهم أن تُقدم النصيحة بأسلوب يُظهر المودة والرحمة، مما يجعل المنصوح أكثر تقبلاً لها. يقول الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). فقد يُنفّر استخدام الأسلوب الخشن المنصوح وقد يدفعه إلى العناد. هذا يظهر جليًا في قصة الأعرابي الذي قام بالبول في المسجد وكيف تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- معه بأسلوب لطيف جعل الأعرابي يتقبل النصيحة.
لا ينبغي أن يكون هدف النصيحة مجرد النقد أو إحراج الشخص، بل يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، دون البحث عن مدح من الآخرين أو التصرف بتكبر. كما يجب الابتعاد عن أي غش للمنصوح أو احتيال عليه.
ينبغي للناصح أن يتحلى بالأخلاق الحميدة وأن يكون صبوراً في مواجهة تبعات نصيحته، فقد يواجه الشتائم أو التوبيخ. لذا، يجب أن يظل صبورًا وألا يرد الإساءة بمثلها.
يجب أن تكون النصيحة قائمة على علم صحيح، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. فجهل الناصح بمحتوى نصيحته قد يؤدي إلى نتائج سلبية. علاوة على ذلك، فإن على الناصح أن يعمل بما ينصح به، كما ذمّ الله تعالى من يأمرون بالمعروف ولا يطبقونه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
تعتبر لحظة ومكان تقديم النّصيحة من العوامل الحاسمة في مدى قبولها. المؤمن الفطن هو الذي يختار الوقت والمكان المناسبين، متجنبًا الأوقات التي قد تسودها مشاعر الغضب أو التوتر.
يُفضل أن تكون النصيحة مباشرة وقصيرة، حيث أن الإطالة أو التكرار قد يؤدي إلى ملل المنصوح. عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: “كانَ عبدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ في كُلِّ خَمِيسٍ، فقالَ له رَجُلٌ: يا أبا عبدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنا كُلَّ يَومٍ؟ فقالَ: أما إنَّه يَمْنَعُنِي مِن ذلكَ أنِّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ، وإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ بالمَوْعِظَةِ، كما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخَوَّلُنا بها، مَخافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا”.
أحدث التعليقات